خطاب السادات بمناسبة ذكرى اكتوبر
صفحة 1 من اصل 1
خطاب السادات بمناسبة ذكرى اكتوبر
السيد الرئيس
أيها السيدات والسادة
اسمحوا لي أولاً أن أتوجه إلى السيد رئيس الكنيست بالشكر الخاص، لإتاحته هذه الفرصة، لكي أتحدث إليكم. وحين أبدأ حديثي أقول:
السلام عليكم ورحمة الله، والسلام لنا جميعاً، بإذن الله.
السلام لنا جميعاً، على الأرض العربية وفي إسرائيل، وفي كل مكان من أرض هذا العالم الكبير، المعقّد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادّة، المهدّد بين الحين والحين بالحروب المدمرة، تلك التي يصنعها الإنسان، ليقضي بها على أخيه الإنسان. وفي النهاية، وبين أنقاض ما بنَى الإنسان، وبين أشلاء الضحايا من بنِي الإنسان، فلا غالب ولا مغلوب، بل إن المغلوب الحقيقي دائماً هو الإنسان، أرقى ما خلقه الله. الإنسان الذي خلقه الله، كما يقول غاندي، قدّيس السلام ، "لكي يسعى على قدَميه، يبني الحياة، ويعبد الله".
وقد جئت إليكم اليوم على قدمَيْن ثابتتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نقِيم السلام . وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمين ومسيحيين ويهود، نعبد الله، ولا نشرك به أحداً. وتعاليم الله ووصاياه، هي حب وصدق وطهارة وسلام .
وإنني ألتمس العذر لكل من استقبل قراري، عندما أعلنته للعالم كله أمام مجلس الشعب المصري، بالدهشة، بل الذهول. بل إن البعض، قد صورت له المفاجأة العنيفة، أن قراري ليس أكثر من مناورة كلامية للاستهلاك أمام الرأي العام العالمي، بل وصفه بعض آخر بأنه تكتيك سياسي، لكي أخفي به نواياي في شنّ حرب جديدة.
ولا أخفي عليكم أن أحد مساعديَّ في مكتب رئيس الجمهورية، اتصل بي في ساعة متأخرة من الليل، بعد عودتي إلى بيتي من مجلس الشعب، ليسألني، في قلق: وماذا تفعل، يا سيادة الرئيس، لو وجّهت إليك إسرائيل الدعوة فعلاً؟ فأجبته، بكل هدوء: سأقْبلها على الفور.
لقد أعلنت أنني سأذهب إلى آخر العالم. سأذهب إلى إسرائيل، لأنني أريد أن أطرح الحقائق كاملة أمام شعب إسرائيل.
إنني ألتمس العذر لكل من أذهله القرار، أو تشكك في سلامة النوايا وراء إعلان القرار. فلم يكن أحد يتصور أن رئيس أكبر دولة عربية، تتحمل العبء الأكبر والمسؤولية الأولى في قضية الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن يعرض قراره بالاستعداد للذهاب إلى أرض الخصم. ونحن لا نزال في حالة حرب، بل نحن جميعاً لا نزال نعاني آثار أربع حروب قاسية خلال ثلاثين عاماً، بل إن أُسَر ضحايا حرب أكتوبر 1973، لا تزال تعيش مآسي الترمل، وفقْد الأبناء، واستشهاد الآباء والإخوان.
كما أنني، كما سبق أن أعلنت من قبل، لم أتداول هذا القرار مع أحد من زملائي وإخوتي، رؤساء الدول العربية، أو دول المواجهة.
ولقد اعترض من اتصل بي منهم، بعد إعلان القرار، لأن حالة الشكّ الكاملة، وفقدان الثقة الكاملة، بين الدول العربية والشعب الفلسطيني، من جهة، وبين إسرائيل من جهة أخرى، لا تزال قائمة في كل النفوس.
ويكفي أن أشهراً طويلة، كان يمكن أن يحلّ فيها السلام ، قد ضاعت سدى، في خلافات ومناقشات لا طائل منها حول إجراءات عقد مؤتمر جنيف، وكلها تعبّر عن الشك الكامل وفقدان الثقة الكاملة.
ولكنني أصارحكم القول بكل الصدق، أنني اتخذت هذا القرار بعد تفكير طويل، وأنا أعلم أنه مخاطرة كبيرة، لأنه إذا كان الله قد كتب لي قدري أن أتولى المسؤولية عن شعب مصر، وأن أشارك في مسؤولية المصير، بالنسبة إلى الشعب العربي وشعب فلسطين، فإن أول واجبات هذه المسؤولية، أن استنفد كل السبُل، لكي أجنّب شعبي المصري العربي، وكل الشعب العربي، ويلات حروب أخرى، محطمة، مدمرة، لا يعلم مداها إلاّ الله.
وقد اقتنعت بعد تفكير طويل، أن أمانة المسؤولية أمام الله، وأمام الشعب، تفرض عليّ أن أذهب إلى آخر مكان في العالم، بل أن أحضر إلى بيت المقدس، لأخاطب أعضاء الكنيست، ممثلي شعب إسرائيل، بكل الحقائق التي تعتمل في نفسي، وأترككم، بعد ذلك، لكي تقرروا لأنفسكم. وليفعل الله بنا، بعد ذلك، ما يشاء.
أيها السيدات والسادة
إن في حياة الأمم والشعوب لحظات، يتعين فيها على هؤلاء الذين يتّصفون بالحكمة والرؤية الثاقبة، أن ينظروا إلى ما وراء الماضي، بتعقيداته ورواسبه، من أجل انطلاقة جسور نحو آفاق جديدة.
وهؤلاء الذين يتحملون، مثلنا، تلك المسؤولية الملقاة على عاتقنا، هم أول من يجب أن تتوافر لديهم الشجاعة لاتخاذ القرارات المصيرية، التي تتناسب مع جلال الموقف. ويجب أن نرتفع جميعاً فوق جميع صور التعصب، وفوق خداع النفس، وفوق نظريات التفوّق البالية. فمن المهم ألاّ ننسى أبداً أن العصمة لله وحده.
وإذا قلت إنني أريد أن أجنّب كل الشعب العربي ويلات حروب جديدة مفجعة. فإنني أعلن أمامكم، بكل الصدق، أنني أحمل نفس المشاعر، وأحمل نفس المسؤولية، لكل إنسان في العالم، وبالتأكيد نحو الشعب الإسرائيلي.
ضحية الحرب: الإنسان. إن الروح، التي تزهق في الحرب، هي روح إنسان، سواء كان عربياً أو إسرائيلياً. إن الزوجة التي تترمل، هي إنسانة، من حقّها أن تعيش في أسرة سعيدة، سواء كانت عربية أو إسرائيلية.
إن الأطفال الأبرياء، الذين يفقِدون رعاية الآباء وعطفهم، هم أطفالنا جميعاً، على أرض العرب، أو في إسرائيل، لهم علينا المسؤولية الكبرى في أن نوفر لهم الحاضر الهانئ، والغد الجميل.
من أجل كل هذا، ومن أجل أن نحمي حياة أبنائنا وأخواتنا جميعاً، من أجل أن تنتج مجتمعاتنا، وهي آمنة مطمئنة، من أجل تطور الإنسان وإسعاده وإعطائه حقّه في الحياة الكريمة، من أجل مسؤوليتنا أمام الأجيال المقبلة، من أجل بسمة كل طفل يولد على أرضنا. من أجل كل هذا، اتخذت قراري أن أحضر إليكم، رغم كل المحاذير، لكي أقول كلمتي.
ولقد تحملت وأتحمل متطلبات المسؤولية التاريخية. ومن أجل ذلك، أعلنت من قبل، ومنذ أعوام، وبالتحديد في 4 فبراير 1971، أنني مستعد لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل.
وكان هذا أول إعلان يصدر عن مسؤول عربي، منذ أن بدأ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وبكل هذه الدوافع، التي تفرضها مسؤولية القيادة، أعلنت في السادس عشر من أكتوبر 1973، وأمام مجلس الشعب المصري، الدعوة إلى مؤتمر دولي، يتقرر فيه السلام العادل الدائم.
ولم أكن، في ذلك الوقت، في وضع مَن يستجدي السلام أو يطلب وقف النار.
وبهذه الدوافع كلها، التي يلزم بها الواجب التاريخي والقيادي، وقّعنا اتفاق فكِّ الاشتباك الأول، ثم اتفاق فكِّ الاشتباك الثاني في سيناء. ثم سعينا نطرق الأبواب، المفتوحة والمغلقة، لإيجاد طريق معين نحو سلام دائم، عادل. وفتحنا قلوبنا لشعوب العالم كله، لكي تتفهم دوافعنا وأهدافنا، ولكي تقتنع فعلاً أننا دعاة عدل وصنّاع سلام .
وبهذه الدوافع كلها، قررت أن أحضر إليكم، بعقل مفتوح وقلب مفتوح وإرادة واعية، لكي نقِيم السلام الدائم، القائم على العدل.
وشاءت المقادير أن تجيئ رحلتي إليكم، رحلة السلام ، في يوم العيد الإسلامي الكبير، عيد الأضحى المبارك، عيد التضحية والفداء، حين أسلم إبراهيم ـ عليه السلام ـ جَدُّ العرب واليهود.
أقول حين أمره الله، وتوجّه إليه بكل جوارحه، لا عن ضعف، بل عن قوة روحية هائلة، وعن اختيار حرٍّ للتضحية بفلذة كبِده، بدافع من إيمانه الراسخ، الذي لا يتزعزع، بمُثُل عليا تعطي الحياة مغزى عميقاً. ولعلّ هذه المصادفة، تحمل معنى جديداً في نفوسنا جميعاً، لعلّه يصبح أملاً حقيقياً في تباشير الأمن والأمان والسلام .
أيها السيدات والسادة
دعونا نتصارح، بالكلمة المستقيمة، والفكرة الواضحة، التي لا تحمل أي التواء. دعونا نتصارح اليوم، والعالم كله، بغربه وشرقه، يتابع هذه اللحظات الفريدة، التي يمكن أن تكون نقطة تحوّل جذري في مسار التاريخ في هذه المنطقة من العالم، إن لم يكن في العالم كله.
دعونا نتصارح، ونحن نجيب عن السؤال الكبير: كيف يمكن أن نحقق السلام الدائم، العادل؟
لقد جئت إليكم أحمل جوابي الواضح الصريح عن هذا السؤال الكبير، لكي يسمعه الشعب في إسرائيل، ولكي يسمعه العالم أجمع، ولكي يسمعه أيضاً كل أولئك، الذين تصل أصوات دعواتهم المخلصة إلى أذني، أملاً في أن تتحقق، في النهاية، النتائج التي يرجوها الملايين من هذا الاجتماع التاريخي.
وقبل أن أعلن جوابي، أرجو أن أؤكد لكم، أنني أعتمد، في هذا الجواب الواضح الصريح، على حقائق عدة، لا مهرب لأحد من الاعتراف بها:
الحقيقة الأولى
، إنه لا سعادة لأحد على حساب شقاء الآخرين.
الحقيقة الثانية
، إنني لم أتحدث ولن أتحدث بلُغتَيْن، ولم أتعامل ولن أتعامل بسياستَيْن. ولست أتعامل مع أحدٍ، إلاّ بلُغة واحدة، وسياسة واحدة، ووجْه واحد.
الحقيقة الثالثة
، إن المواجهة المباشرة والخط المستقيم، هما أقرب الطرق وأنجحها للوصول إلى الهدف الواضح.
الحقيقة الرابعة
، إن دعوة السلام الدائم، العادل، المَبْني على احترام قرارات الأمم المتحدة، أصبحت اليوم دعوة العالم كله، وأصبحت تعبيراً واضحاً عن إرادة المجتمع الدولي، سواء في العواصم الرسمية، التي تصنع السياسة وتتخذ القرار، أو على مستوى الرأي العام العالمي الشعبي، ذلك الرأي العام الذي يؤثّر في صنع السياسة واتخاذ القرار.
الحقيقة الخامسة
، ولعلّها أبرز الحقائق وأوضحها، إن الأمة العربية لا تتحرك في سعيها من أجل السلام الدائم، العادل، من موقع ضعف أو اهتزاز، بل إنها على العكس تماماً، تملك من مقومات القوة والاستقرار ما يجعل كلمتها نابعة من إرادة صادقة نحو السلام ، صادرة عن إدراك حضاري أنه لكي نتجنب كارثة محقَّقة، علينا وعليكم وعلى العالم كله، فإنه لا بديل من إقرار سلام دائم، وعادل، لا تزعزعه الأنواء، ولا تعبث به الشكوك، ولا يهزه سوء المقاصد أو التواء النوايا.
من واقع هذه الحقائق، التي أردت أن أضعكم في صورتها كما أراها، أرجو أيضاً أن أحذركم، بكل الصدق، أحذركم من بعض الخواطر، التي يمكن أن تطرأ على أذهانكم.
إن واجب المصارحة يقتضي أن أقول لكم ما يلي:
أولاً:
إنني لم أجىء إليكم لكي أعقد اتفاقاً منفرداً بين مصر وإسرائيل. ليس هذا وارداً في سياسة مصر. فليست المشكلة هي مصر وإسرائيل. وأي سلام منفرد بين مصر وإسرائيل، أو بين أية دولة من دول المواجهة وإسرائيل، فإنه لن يقِيم السلام الدائم، العادل، في المنطقة كلها. بل أكثر من ذلك، فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل، بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية، فإن ذلك لن يحقق أبداً السلام الدائم، العادل، الذي يلحّ العالم كله اليوم عليه.
ثانياً:
إنني لم أجىء إليكم لكي أسعى إلى سلام جزئي، بمعنى أن ننهي حالة الحرب في هذه المرحلة، ثم نرجئ المشكلة برمّتها إلى مرحلة تالية. فليس هذا هو الحل الجذري، الذي يصل بنا إلى السلام الدائم.
ويرتبط بهذا، أنني لم أجىء إليكم لكي نتفق على فضِّ اشتباك ثالث في سيناء، أو في سيناء والجولان والضفة الغربية. فإن هذا يعني أننا نؤجل فقط اشتعال الفتيل إلى أي وقت مقبل، بل هو يعني، أننا نفتقد شجاعة مواجهة السلام ، وأننا أضعف من أن نتحمل أعباء ومسؤوليات السلام الدائم، العادل.
لقد جئت إليكم لكي نبني معاً السلام الدائم، العادل، حتى لا تُراق نقطة دم واحدة من جسد عربي أو إسرائيلي.
ومن أجل هذا، أعلنت أنني مستعدّ لأن أذهب إلى آخر العالم.
وهنا أعود إلى الإجابة عن السؤال الكبير: كيف نحقق السلام الدائم، العادل؟
في رأيي، وأعلنها من هذا المنبر للعالم كله، أن الإجابة ليست مستحيلة، ولا هي بالعسيرة، على الرغم من مرور أعوام طويلة من ثأر الدم، والأحقاد والكراهية، وتنشئة أجيال على القطيعة الكاملة، والعداء المستحكم. الإجابة ليست عسيرة، ولا هي مستحيلة، إذا طرقنا سبيل الخط المستقيم بكل الصدق والأمانة.
أنتم تريدون العيش معنا في هذه المنطقة من العالم. وأنا أقول لكم، بكل الإخلاص، إننا نرحب بكم بيننا، بكل الأمن والأمان.
إن هذا في حد ذاته، يشكّل نقطة تحوّل هائلة من علامات تحوّل تاريخي حاسم.
لقد كنّا نرفضكم، وكانت لنا أسبابنا ودعوانا .. نعم .
لقد كنّا نرفض الاجتماع بكم، في أي مكان .. نعم .
لقد كنّا نصِفكم بإسرائيل المزعومة .. نعم .
لقد كانت تجمعنا المؤتمرات أو المنظمات الدولية، وكان ممثلونا، ولا يزالون، لا يتبادلون التحية والسلام .. نعم .
حدث هذا، ولا يزال يحدث.
لقد كنّا نشترط لأي مباحثات وسيطاً، يلتقي كل طرف على انفراد .. نعم .
هكذا تمَّت مباحثات فضِّ الاشتباك الأول. وهكذا أيضاً تمَّت مباحثات فضِّ الاشتباك الثاني.
كما أن ممثلينا التقوا في مؤتمر جنيف الأول، دون تبادل كلمة مباشرة .. نعم . هذا حدث.
ولكنني أقول لكم اليوم، وأعلن للعالم كله، إننا نقبل بالعيش معكم في سلام دائم وعادل. ولا نريد أن نحيطكم أو أن تحيطونا بالصواريخ المستعدة للتدمير، أو بقذائف الأحقاد والكراهية.
ولقد أعلنت أكثر من مرة، أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة، اعترف بها العالم، وحملت القوَّتان العُظميان مسؤولية أمنها وحماية وجودها. ولمّا كنّا نريد السلام ، فعلاً وحقّاً، فإننا نرحب بأن تعيشوا بيننا، في أمن وسلام ، فعلاً وحقّاً.
لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان. ولكنه تحطم في عام 1973.
كان جداراً من الحرب النفسية، المستمرة في التهابها وتصاعدها.
كان جداراً من التخويف بالقوة، القادرة على اكتساح الأمة العربية، من أقصاها إلى أقصاها.
كان جداراً من الترويج، أننا أمّة تحولت إلى جثة بلا حراك، بل إن منكم من قال إنه حتى بعد مضيّ خمسين عاماً مقبلة، فلن تقوم للعرب قائمة من جديد.
كان جداراً يهدد دائماً بالذراع الطويلة، القادرة على الوصول إلى أي موقع وإلى أي بُعد.
كان جداراً يحذرنا من الإبادة والفناء، إذا نحن حاولنا أن نستخدم حقّنا المشروع في تحرير أرضنا المحتلة.
وعلينا أن نعترف معاً بأن هذا الجدار ، قد وقع وتحطم في عام 1973. ولكن، بقي جدار آخر.
هذا الجدار الآخر، يشكّل حاجزاً نفسياً معقّداً بيننا وبينكم. حاجزاً من الشكوك، حاجزاً من النفور، حاجزاً من خشية الخداع، حاجزاً من الأوهام حول أي تصرف أو فعل أو قرار، حاجزاً من التفسير الحذر الخاطئ لكل حدث أو حديث.
وهذا الحاجز النفسي، هو الذي عبّرت عنه في تصريحات رسمية، بأنه يشكّل سبعين في المائة من المشكلة.
وإنني أسألكم اليوم، بزيارتي لكم، لماذا لا نمدّ أيادينا، بصدقٍ وإيمانٍ وإخلاصٍ، لكي نحطم هذا الحاجز معاً؟
لماذا
لا تتفق إراداتنا، بصدقٍ وإيمانٍ وإخلاصٍ، لكي نزيل معاً كل شكوك الخوف والغدر والتواء المقاصد وإخفاء حقائق النوايا؟
لماذا
لا نتصدى معاً، بشجاعة الرجال، وبجسارة الأبطال، الذين يهَبون حياتهم لهدفٍ أسمَى؟
لماذا
لا نتصدى معاً، بهذه الشجاعة والجسارة، لكي نقِيم صرحاً شامخاً للسلام، يحمي ولا يهدِّد، يشعّ لأجيالنا القادمة أضواء الرسالة الإنسانية نحو البناء والتطور ورِفعة الإنسان؟
لماذا
نُورِث هذه الأجيال نتائج سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وتيتيم الأطفال، وترمل الزوجات، وهدم الأُسر، وأنين الضحايا؟
لماذا
لا نؤمن بحكمة الخالق، التي أوردها في أمثال سليمان الحكيم:
"الغش في قلب الذين يفكرون في الشرّ. أمّا المبشرون بالسلام، فلهم فرح".
"لقمـة يابسـة، ومعها سلامة، خير من بيت مليء بالذبائح، مع الخصام".
لماذا
لا نردّد معاً من مزامير داوود النبي:
"إليك، يا رب، أصرخ. اسمع صوت تضرعي، إذا استغثت بك. وأرفع يدي إلى محراب قُدْسك، لا تجذبني مع الأشرار ومع فَعَلة الإثم، المخاطبين أصحابهم بالسلام، والشرّ في قلوبهم. أعطهم حسب فِعلهم، وحسب شر أعمالهم. أطلب السلامة وأسعى وراءها" .
أيها السادة
الحق أقول لكم، إن السلام لن يكون اسماً على مسمّى، ما لم يكن قائماً على العدالة، وليس على احتلال أرض الغير. ولا يَسُـوغ أن تطلبوا لأنفسكم ما تنكرونه على غيركم.
وبكل صراحة، وبالروح التي حدت بي على القُدوم إليكم اليوم، فإني أقول لكم، إن عليكم أن تتخلّوا، نهائياً، عن أحلام الغزو، وأن تتخلّوا، أيضاً، عن الاعتقاد بأن القوة هي خير وسيلة للتعامل مع العرب.
إن عليكم أن تستوعبوا جيداً دروس المواجهة بيننا وبينكم، فلن يجديكم التوسع شيئاً.
ولكي نتكلم بوضوح، فإن أرضنا لا تقبل المساومة، وليست عُرضة للجدل. إن التراب الوطني والقومي، يعتبر لدينا في منزلة الوادي المقدس طُوى، الذي كلّم فيه الله موسى ـ عليه السلام . ولا يملك أي منّا، ولا يقبل أن يتنازل عن شبر واحد منه، أو أن يقبل مبدأ الجدل والمساومة عليه.
والحق أقول لكم أيضاً، إن أمامنا، اليوم، الفرصة السانحة للسلام، وهي فرصة لا يمكن أن يجود بمثلها الزمان، إذا كنّا جادّين حقاً في النضال من أجل السلام .
وهي فرصة، لو أضعناها، أو بدّدناها، فلسوف تحلّ بالمتآمر عليها لعنة الإنسانية، ولعنة التاريخ.
ما هو السلام بالنسبة إلى إسرائيل؟
أن تعيش في المنطقة، مع جيرانها العرب، في أمن واطمئنان. هذا منطق أقول له نعم .
أن تعيش إسرائيل في حدودها آمنة من أي عدوان. هذا منطق أقول له نعم .
أن تحصل إسرائيل على كل أنواع الضمانات ، التي تؤمِّن لها هاتَيْن الحقيقتَيْن. هذا مطلب أقول له نعم .
بل إننا نعلن أننا نقبَل كل الضمانات الدولية، التي تتصورونها، وممّن تَرضَونه أنتم.
نعلن أننا نقبَل كل الضمانات ، التي تريدونها من القوَّتين العُظمَيين، أو من إحداهما، أو من الخمسة الكبار، أو من بعضهم.
وأعود فأعلن، بكل الوضوح، أننا قابلون بأي ضمانات تَرتضونها، لأننا في المقابل، سنأخذ نفس الضمانات .
خلاصة القول، إذاً، عندما نسأل: ما هو السلام بالنسبة إلى إسرائيل؟ يكون الرد هو أن تعيش إسرائيل في حدودها مع جيرانها العرب في أمن وأمان، وفي إطار كل ما ترتضيه من ضمانات، يحصل عليها الطرف الآخر.
ولكن كيف يتحقق هذا؟ كيف يمكن أن نصِل إلى هذه النتيجة، لكي نصِل بها إلى السلام الدائم، العادل؟
هناك حقائق لا بد من مواجهتها، بكل شجاعة ووضوح.
هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية. القدس التي حضرت إليها باعتبارها مدينة السلام ، والتي كانت، وسوف تظل على الدوام، التجسيد الحيّ للتعايش بين المؤمنين بالديانات الثلاث.
وليس من المقبول أن يفكر أحد في الوضع الخاص لمدينة القدس ، في إطار الضم أو التوسع. وإنّما يجب أن تكون مدينة حرة، مفتوحة لجميع المؤمنين.
وأهم من كل هذا، فإن تلك المدينة، يجب ألاّ تُفصل عن هؤلاء الذين اختاروها مقرّاً ومقاماً لعدة قرون.
وبدلاً من إيقاظ أحقاد الحروب الصليبية، فإننا يجب أن نحيِي روح عمر بن الخطاب وصلاح الدين، أي روح التسامح واحترام الحقوق.
إن دُور العبادة، الإسلامية والمسيحية، ليست مجرد أماكن لأداء الفرائض والشعائر، بل إنها تقوم شاهد صدقٍ على وجودنا، الذي لم ينقطع في هذا المكان، سياسياً وروحياً وفكرياً.
وهنا، فإنه يجب ألاّ يخطئ أحد تقدير الأهمية والإجلال اللذين نكنّهما للقدس، نحن معشر المسيحيين والمسلمين.
ودعوني أَقُلْ لكم، بلا أدنى تردُّد، إنني لم أجىء إليكم تحت هذه القبة، لكي أتقدم برجاء أن تُجلوا قواتكم من الأرض المحتلة. إن الانسحاب الكامل من الأرض المحتلة بعد 1967، أمر بديهي، لا نقبل فيه الجدل، ولا رجاء فيه لأحد أو من أحد.
ولا معنى لأي حديث عن السلام الدائم، العادل، ولا معنى لأي خطوة لضمان حياتنا معاً في هذه المنطقة من العالم، في أمن وأمان، وأنتم تحتلون أرضاً عربية بالقوة المسلحة. فليس هنالك سلام يستقيم أو يُبنى، مع احتلال أرض الغير.
نعم، هذه بديهية، لا تقبل الجدل والنقاش، إذا خلُصت النوايا وصَدَق النضال، لإقرار السلام الدائم، العادل، لجيلنا ولكل الأجيال من بعدنا.
أمّا بالنسبة للقضية الفلسطينية، فليس هناك من ينكر أنها جوهر المشكلة كلها، وليس هناك من يقبل، اليوم، في العالم كله، شعارات رُفعت هنا في إسرائيل، تتجاهل وجود شعب فلسطين، بل تتساءل أين هو هذا الشعب؟
إن قضية شعب فلسطين، وحقوق شعب فلسطين المشروعة، لم تعد، اليوم، موضع تجاهل أو إنكار من أحد. بل لا يحتمل عقل يفكر أن تكون موضع تجاهل أو إنكار.
إنها واقع استقبله المجتمع الدولي، غرباً وشرقاً، بالتأييد والمساندة والاعتراف، في مواثيق دولية وبيانات رسمية، لن يجدي أحداً أن يصمّ أذنيه عن دويّها المسموع، ليل نهار، أو أن يغمض عينيه عن حقيقتها التاريخية، حتى الولايات المتحدة الأمريكية، حليفكم الأول، التي تحمل قمة الالتزام لحماية وجود إسرائيل وأمنها، والتي قدّمت، وتقدّم إلى إسرائيل كل عون معنوي ومادي وعسكري. أقول حتى الولايات المتحدة اختارت أن تواجِه الحقيقة والواقع، وأن تعترف بأن للشعب الفلسطيني حقوقاً مشروعة، وأن المشكلة الفلسطينية هي قلب الصراع وجوهره، وطالما بقيت معلقة دون حل، فإن النزاع سوف يتزايد ويتصاعد، ليبلغ أبعاداً جديدة.
وبكل الصدق، أقول لكم إن السلام لا يمكن أن يتحقق بغير الفلسطينيين، وإنه لخطأ جسيم، لا يعلم مداه أحد، أن نغمض الطرف عن تلك القضية، أو ننحِّيها جانباً.
ولن أستطرد في سرد أحداث الماضي، منذ صدر وعد بلفور لستين عاماً خلَت، فأنتم على بيّنة من الحقائق جيداً.
وإذا كنتم قد وجدتم المبرر، القانوني والأخلاقي، لإقامة وطن قومي على أرضٍ، لم تكن كلها ملكاً لكم، فأَولى بكم أن تتفهموا إصرار شعب فلسطين على إقامة دولته من جديد في وطنه.
وحين يُطالب بعض الغُلاة والمتطرفين أن يتخلّى الفلسطينيون عن هذا الهدف الأسمى، فإن معناه، في الواقع وحقيقة الأمر، مطالبة لهم بالتخلي عن هويتهم، وعن كل أمل لهم في المستقبل.
إنني أحيِّي أصواتاً إسرائيلية، طالبت بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى السلام ، وضماناً له. ولذلك، فإنني أقول، أيها السيدات والسادة، إنه لا طائل من وراء عدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه في إقامة دولته وفي العودة. لقد مررنا، نحن العرب، بهذه التجربة من قبل، معكم، ومع حقيقة الوجود الإسرائيلي، وانتقل بنا الصراع من حربٍ إلى حربٍ، ومن ضحايا إلى مزيد من الضحايا، حتى وصلنا، اليوم، نحن وأنتم، إلى حافة هاوية رهيبة وكارثة مروّعة، إذا نحن لم نغتنم اليوم معاً فرصة السلام الدائم والعادل.
عليكم أن تواجِهوا الواقع مواجَهة شجاعة، كما واجهته أنا.
ولا حلّ لمشكلة أبداً بالهروب منها، أو بالتعالي عليها.
ولا يمكن أن يستقر سلام بمحاولة فرض أوضاع وهمية، أدار لها العالم كله ظهره، وأعلن نداءه الإجماعي بوجوب احترام الحق والحقيقة.
ولا داعي للدخول في الحلقة المفرَغة مع الحق الفلسطيني.
ولا جدوى من خلق العقبات، إلاّ أن تتأخر مسيرة السلام ، أو أن يُقتل السلام .
وكما قلت لكم، فلا سعادة لأحد على حساب شقاء الآخرين. كما أن المواجَهة المباشرة والخط المستقيم، هما أقرب الطرق وأنجحها للوصول إلى الهدف الواضح. والمواجَهة المباشرة للمشكلة الفلسطينية، واللغة الواحدة لعلاجها نحو سلام دائم، عادل، هي في أن تقوم دولته.
ومع كل الضمانات الدولية، التي تطلبونها، فلا يجوز أن يكون هناك خوف من دولة وليدة، تحتاج إلى معونة كل دول العالم لقيامها. وعندما تدق أجراس السلام ، فلن توجد يد لتدق طبول الحرب، وإذا وُجدت، فلن يُسمع لها صوتٌ.
وتصوروا معي اتفاق سلام في جنيف، نزفّه إلى العالم المتعطش إلى السلام . اتفاق سلام يقُوم على:
أولاً:
إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، التي اُحتلت في عام 1967.
ثانياً:
تحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وحقّه في تقرير المصير، بما في ذلك حقّه في إقامة دولته.
ثالثاً:
حق كل دول المنطقة في العيش في سلام داخل حدودها الآمنة، والمضمونة عن طريق إجراءات يُتفق عليها، تحقق الأمن المناسب للحدود الدولية، بالإضافة إلى الضمانات الدولية المناسبة.
رابعاً:
تلتزم كل دول المنطقة بإدارة العلاقات فيما بينها، طبقاً لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبصفة خاصة عدم الالتجاء إلى القوة، وحل الخلافات بينها بالوسائل السلمية.
خامساً:
إنهاء حالة الحرب القائمة في المنطقة.
أيها السيدات والسّادة
إن السلام ليس توقيعاً على سطور مكتوبة، بل إنه كتابة جديدة للتاريخ. إن السلام ليس مباراة في المناداة به، للدفاع عن أية شهوات أو لِسَـتر أية أطماع، ف السلام ، في جوهره، نضال جبّار ضد كل الأطماع والشهوات. ولعل تجارب التاريخ، القديم والحديث، تعلّمنا جميعاً أن الصواريخ والبوارج والأسلحة النووية، لا يمكن أن تقِيم الأمن، ولكنها على العكس تحطم كل ما يبنيه الأمن.
وعلينا، من أجل شعوبنا، من أجل حضارة صنعها الإنسان، أن نحمي الإنسان في كل مكان، من سلطان قوة السلاح.
علينا أن نُعلي سلطان الإنسانية بكل قوة القِيم والمبادئ، التي تُعلي مكانة الإنسان.
وإذا سمحتم لي أن أتوجه بندائي من هذا المنبر إلى شعب إسرائيل، فإنني أتوجه بالكلمة الصادقة الخالصة، إلى كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل.
إنني أحمل إليكم من شعب مصر، الذي يُبارك هذه الرسالة المقدسة من أجل السلام ، أحمل إليكم رسالة السلام ، رسالة شعب مصر، الذي لا يعرف التعصب، والذي يعيش أبناؤه، من مسلمين ومسيحيين ويهود، بروح المودّة والحب والتسامح. هذه هي مصر، التي حمّلني شعبها أمانة الرسالة المقدسة، رسالة الأمن والأمان والسلام .
فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل: شجعوا قيادتكم على نضال السلام ، ولتتجه الجهود إلى بناء صرْح شامخ للسلام، بدلاً من بناء القلاع والمخابئ المحصنة بصواريخ الدمار. قدّموا للعالم صورة الإنسان الجديد في هذه المنطقة من العالم، لكي يكون قدوة لإنسان العصر، إنسان السلام في كل موقع ومكان.
بشّروا أبناءكم، أن ما مضى هو آخر الحروب ونهاية الآلام، وأن ما هو قادم هو البداية الجديدة، للحياة الجديدة، حياة الحب والخير والحرية والسلام .
ويا أيتها الأم الثكلى،
ويا أيتها الزوجة المترملة،
ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب،
يا كل ضحايا الحروب،
ـ املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام .
ـ املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام .
ـ اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر.
ـ اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال.
وإرادة الشعوب هي من إرادة الله.
أيها السيدات والسّادة
قبل أن أصل إلى هذا المكان، توجّهت بكل نبضة في قلبي، وبكل خلجة في ضميري، إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ وأنا أؤدي صلاة العيد في المسجد الأقصى، وأنا أزور كنيسة القيامة، توجهت إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالدعاء أن يلهمني القوة، وأن يؤكد يقين إيماني بأن تحقِّق هذه الزيارة أهدافها، التي أرجوها، من أجل حاضر سعيد، ومستقبل أكثر سعادة.
لقد اخترت أن أخرج على كل السوابق والتقاليد، التي عرفتها الدول المتحاربة، ورغم أن احتلال الأرض العربية ما زال قائماً، بل كان إعلاني عن استعدادي للحضور إلى إسرائيل مفاجأة كبرى، هزّت كثيراً من المشاعر، وأذهلت كثيراً من العقول، بل شككت في نواياها بعض الآراء، برغم كل ذلك، فإنني استلهمت القرار بكل صفاء الإيمان وطهارته، وبكل التعبير الصادق عن إرادة شعبي ونواياه، واخترت هذا الطريق الصعب، بل إنه في نظر الكثيرين أصعب طريق.
اخترت أن أحضر إليكم، بالقلب المفتوح والفكر المفتوح.
اخترت أن أعطي هذه الدفعة لكل الجهود العالمية المبذولة من أجل السلام .
اخترت أن أقدم لكم، وفي بيتكم، الحقائق المجرّدة عن الأغراض والأهواء.
لا لكي أناور، ولا لكي أكسب جولة، ولكن لكي نكسب معاً أخطر الجولات والمعارك في التاريخ المعاصر، معركة السلام العادل والدائم.
إنها ليست معركتي فقط، ولا هي معركة القيادات فقط في إسرائيل، ولكنها معركة كل مواطن على أرضنا جميعاً، من حقّه أن يعيش في سلام . إنها التزام الضمير والمسؤولية في قلوب الملايين.
وقد تساءل الكثيرون، عندما طرحت هذه المبادرة، عن تصوري لما يمكن إنجازه في هذه الزيارة، وتوقعاتي منها. وكما أجبت السائلين، فإنني أعلن أمامكم أنني لم أفكر في القيام بهذه المبادرة من منطلق ما يمكن تحقيقه أثناء الزيارة، وإنما جئت هنا لكي أبلغ رسالة.
ألا هل بلّغت؟ اللهمّ فاشهــد .
اللهم إنني أردد مع زكريا قوله: "أحبوا الحقّ والسلام ".
وأستلهم آيات الله ـ العزيز الحكيم ـ حين قال:قُلْ آمنَّا باللهِ ومَا أُنزِلَ عَلَيْنَا ومَا أُنْزِلَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ وإسْحَقَ ويَعْقُوبَ والأسْبَاطِ ومَا أُوتِيَ مُوسَى وعِيسَى والنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون . والسلام عليكم. عن موقع محمد أنور السادات الرسمي
أيها السيدات والسادة
اسمحوا لي أولاً أن أتوجه إلى السيد رئيس الكنيست بالشكر الخاص، لإتاحته هذه الفرصة، لكي أتحدث إليكم. وحين أبدأ حديثي أقول:
السلام عليكم ورحمة الله، والسلام لنا جميعاً، بإذن الله.
السلام لنا جميعاً، على الأرض العربية وفي إسرائيل، وفي كل مكان من أرض هذا العالم الكبير، المعقّد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادّة، المهدّد بين الحين والحين بالحروب المدمرة، تلك التي يصنعها الإنسان، ليقضي بها على أخيه الإنسان. وفي النهاية، وبين أنقاض ما بنَى الإنسان، وبين أشلاء الضحايا من بنِي الإنسان، فلا غالب ولا مغلوب، بل إن المغلوب الحقيقي دائماً هو الإنسان، أرقى ما خلقه الله. الإنسان الذي خلقه الله، كما يقول غاندي، قدّيس السلام ، "لكي يسعى على قدَميه، يبني الحياة، ويعبد الله".
وقد جئت إليكم اليوم على قدمَيْن ثابتتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نقِيم السلام . وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمين ومسيحيين ويهود، نعبد الله، ولا نشرك به أحداً. وتعاليم الله ووصاياه، هي حب وصدق وطهارة وسلام .
وإنني ألتمس العذر لكل من استقبل قراري، عندما أعلنته للعالم كله أمام مجلس الشعب المصري، بالدهشة، بل الذهول. بل إن البعض، قد صورت له المفاجأة العنيفة، أن قراري ليس أكثر من مناورة كلامية للاستهلاك أمام الرأي العام العالمي، بل وصفه بعض آخر بأنه تكتيك سياسي، لكي أخفي به نواياي في شنّ حرب جديدة.
ولا أخفي عليكم أن أحد مساعديَّ في مكتب رئيس الجمهورية، اتصل بي في ساعة متأخرة من الليل، بعد عودتي إلى بيتي من مجلس الشعب، ليسألني، في قلق: وماذا تفعل، يا سيادة الرئيس، لو وجّهت إليك إسرائيل الدعوة فعلاً؟ فأجبته، بكل هدوء: سأقْبلها على الفور.
لقد أعلنت أنني سأذهب إلى آخر العالم. سأذهب إلى إسرائيل، لأنني أريد أن أطرح الحقائق كاملة أمام شعب إسرائيل.
إنني ألتمس العذر لكل من أذهله القرار، أو تشكك في سلامة النوايا وراء إعلان القرار. فلم يكن أحد يتصور أن رئيس أكبر دولة عربية، تتحمل العبء الأكبر والمسؤولية الأولى في قضية الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن يعرض قراره بالاستعداد للذهاب إلى أرض الخصم. ونحن لا نزال في حالة حرب، بل نحن جميعاً لا نزال نعاني آثار أربع حروب قاسية خلال ثلاثين عاماً، بل إن أُسَر ضحايا حرب أكتوبر 1973، لا تزال تعيش مآسي الترمل، وفقْد الأبناء، واستشهاد الآباء والإخوان.
كما أنني، كما سبق أن أعلنت من قبل، لم أتداول هذا القرار مع أحد من زملائي وإخوتي، رؤساء الدول العربية، أو دول المواجهة.
ولقد اعترض من اتصل بي منهم، بعد إعلان القرار، لأن حالة الشكّ الكاملة، وفقدان الثقة الكاملة، بين الدول العربية والشعب الفلسطيني، من جهة، وبين إسرائيل من جهة أخرى، لا تزال قائمة في كل النفوس.
ويكفي أن أشهراً طويلة، كان يمكن أن يحلّ فيها السلام ، قد ضاعت سدى، في خلافات ومناقشات لا طائل منها حول إجراءات عقد مؤتمر جنيف، وكلها تعبّر عن الشك الكامل وفقدان الثقة الكاملة.
ولكنني أصارحكم القول بكل الصدق، أنني اتخذت هذا القرار بعد تفكير طويل، وأنا أعلم أنه مخاطرة كبيرة، لأنه إذا كان الله قد كتب لي قدري أن أتولى المسؤولية عن شعب مصر، وأن أشارك في مسؤولية المصير، بالنسبة إلى الشعب العربي وشعب فلسطين، فإن أول واجبات هذه المسؤولية، أن استنفد كل السبُل، لكي أجنّب شعبي المصري العربي، وكل الشعب العربي، ويلات حروب أخرى، محطمة، مدمرة، لا يعلم مداها إلاّ الله.
وقد اقتنعت بعد تفكير طويل، أن أمانة المسؤولية أمام الله، وأمام الشعب، تفرض عليّ أن أذهب إلى آخر مكان في العالم، بل أن أحضر إلى بيت المقدس، لأخاطب أعضاء الكنيست، ممثلي شعب إسرائيل، بكل الحقائق التي تعتمل في نفسي، وأترككم، بعد ذلك، لكي تقرروا لأنفسكم. وليفعل الله بنا، بعد ذلك، ما يشاء.
أيها السيدات والسادة
إن في حياة الأمم والشعوب لحظات، يتعين فيها على هؤلاء الذين يتّصفون بالحكمة والرؤية الثاقبة، أن ينظروا إلى ما وراء الماضي، بتعقيداته ورواسبه، من أجل انطلاقة جسور نحو آفاق جديدة.
وهؤلاء الذين يتحملون، مثلنا، تلك المسؤولية الملقاة على عاتقنا، هم أول من يجب أن تتوافر لديهم الشجاعة لاتخاذ القرارات المصيرية، التي تتناسب مع جلال الموقف. ويجب أن نرتفع جميعاً فوق جميع صور التعصب، وفوق خداع النفس، وفوق نظريات التفوّق البالية. فمن المهم ألاّ ننسى أبداً أن العصمة لله وحده.
وإذا قلت إنني أريد أن أجنّب كل الشعب العربي ويلات حروب جديدة مفجعة. فإنني أعلن أمامكم، بكل الصدق، أنني أحمل نفس المشاعر، وأحمل نفس المسؤولية، لكل إنسان في العالم، وبالتأكيد نحو الشعب الإسرائيلي.
ضحية الحرب: الإنسان. إن الروح، التي تزهق في الحرب، هي روح إنسان، سواء كان عربياً أو إسرائيلياً. إن الزوجة التي تترمل، هي إنسانة، من حقّها أن تعيش في أسرة سعيدة، سواء كانت عربية أو إسرائيلية.
إن الأطفال الأبرياء، الذين يفقِدون رعاية الآباء وعطفهم، هم أطفالنا جميعاً، على أرض العرب، أو في إسرائيل، لهم علينا المسؤولية الكبرى في أن نوفر لهم الحاضر الهانئ، والغد الجميل.
من أجل كل هذا، ومن أجل أن نحمي حياة أبنائنا وأخواتنا جميعاً، من أجل أن تنتج مجتمعاتنا، وهي آمنة مطمئنة، من أجل تطور الإنسان وإسعاده وإعطائه حقّه في الحياة الكريمة، من أجل مسؤوليتنا أمام الأجيال المقبلة، من أجل بسمة كل طفل يولد على أرضنا. من أجل كل هذا، اتخذت قراري أن أحضر إليكم، رغم كل المحاذير، لكي أقول كلمتي.
ولقد تحملت وأتحمل متطلبات المسؤولية التاريخية. ومن أجل ذلك، أعلنت من قبل، ومنذ أعوام، وبالتحديد في 4 فبراير 1971، أنني مستعد لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل.
وكان هذا أول إعلان يصدر عن مسؤول عربي، منذ أن بدأ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وبكل هذه الدوافع، التي تفرضها مسؤولية القيادة، أعلنت في السادس عشر من أكتوبر 1973، وأمام مجلس الشعب المصري، الدعوة إلى مؤتمر دولي، يتقرر فيه السلام العادل الدائم.
ولم أكن، في ذلك الوقت، في وضع مَن يستجدي السلام أو يطلب وقف النار.
وبهذه الدوافع كلها، التي يلزم بها الواجب التاريخي والقيادي، وقّعنا اتفاق فكِّ الاشتباك الأول، ثم اتفاق فكِّ الاشتباك الثاني في سيناء. ثم سعينا نطرق الأبواب، المفتوحة والمغلقة، لإيجاد طريق معين نحو سلام دائم، عادل. وفتحنا قلوبنا لشعوب العالم كله، لكي تتفهم دوافعنا وأهدافنا، ولكي تقتنع فعلاً أننا دعاة عدل وصنّاع سلام .
وبهذه الدوافع كلها، قررت أن أحضر إليكم، بعقل مفتوح وقلب مفتوح وإرادة واعية، لكي نقِيم السلام الدائم، القائم على العدل.
وشاءت المقادير أن تجيئ رحلتي إليكم، رحلة السلام ، في يوم العيد الإسلامي الكبير، عيد الأضحى المبارك، عيد التضحية والفداء، حين أسلم إبراهيم ـ عليه السلام ـ جَدُّ العرب واليهود.
أقول حين أمره الله، وتوجّه إليه بكل جوارحه، لا عن ضعف، بل عن قوة روحية هائلة، وعن اختيار حرٍّ للتضحية بفلذة كبِده، بدافع من إيمانه الراسخ، الذي لا يتزعزع، بمُثُل عليا تعطي الحياة مغزى عميقاً. ولعلّ هذه المصادفة، تحمل معنى جديداً في نفوسنا جميعاً، لعلّه يصبح أملاً حقيقياً في تباشير الأمن والأمان والسلام .
أيها السيدات والسادة
دعونا نتصارح، بالكلمة المستقيمة، والفكرة الواضحة، التي لا تحمل أي التواء. دعونا نتصارح اليوم، والعالم كله، بغربه وشرقه، يتابع هذه اللحظات الفريدة، التي يمكن أن تكون نقطة تحوّل جذري في مسار التاريخ في هذه المنطقة من العالم، إن لم يكن في العالم كله.
دعونا نتصارح، ونحن نجيب عن السؤال الكبير: كيف يمكن أن نحقق السلام الدائم، العادل؟
لقد جئت إليكم أحمل جوابي الواضح الصريح عن هذا السؤال الكبير، لكي يسمعه الشعب في إسرائيل، ولكي يسمعه العالم أجمع، ولكي يسمعه أيضاً كل أولئك، الذين تصل أصوات دعواتهم المخلصة إلى أذني، أملاً في أن تتحقق، في النهاية، النتائج التي يرجوها الملايين من هذا الاجتماع التاريخي.
وقبل أن أعلن جوابي، أرجو أن أؤكد لكم، أنني أعتمد، في هذا الجواب الواضح الصريح، على حقائق عدة، لا مهرب لأحد من الاعتراف بها:
الحقيقة الأولى
، إنه لا سعادة لأحد على حساب شقاء الآخرين.
الحقيقة الثانية
، إنني لم أتحدث ولن أتحدث بلُغتَيْن، ولم أتعامل ولن أتعامل بسياستَيْن. ولست أتعامل مع أحدٍ، إلاّ بلُغة واحدة، وسياسة واحدة، ووجْه واحد.
الحقيقة الثالثة
، إن المواجهة المباشرة والخط المستقيم، هما أقرب الطرق وأنجحها للوصول إلى الهدف الواضح.
الحقيقة الرابعة
، إن دعوة السلام الدائم، العادل، المَبْني على احترام قرارات الأمم المتحدة، أصبحت اليوم دعوة العالم كله، وأصبحت تعبيراً واضحاً عن إرادة المجتمع الدولي، سواء في العواصم الرسمية، التي تصنع السياسة وتتخذ القرار، أو على مستوى الرأي العام العالمي الشعبي، ذلك الرأي العام الذي يؤثّر في صنع السياسة واتخاذ القرار.
الحقيقة الخامسة
، ولعلّها أبرز الحقائق وأوضحها، إن الأمة العربية لا تتحرك في سعيها من أجل السلام الدائم، العادل، من موقع ضعف أو اهتزاز، بل إنها على العكس تماماً، تملك من مقومات القوة والاستقرار ما يجعل كلمتها نابعة من إرادة صادقة نحو السلام ، صادرة عن إدراك حضاري أنه لكي نتجنب كارثة محقَّقة، علينا وعليكم وعلى العالم كله، فإنه لا بديل من إقرار سلام دائم، وعادل، لا تزعزعه الأنواء، ولا تعبث به الشكوك، ولا يهزه سوء المقاصد أو التواء النوايا.
من واقع هذه الحقائق، التي أردت أن أضعكم في صورتها كما أراها، أرجو أيضاً أن أحذركم، بكل الصدق، أحذركم من بعض الخواطر، التي يمكن أن تطرأ على أذهانكم.
إن واجب المصارحة يقتضي أن أقول لكم ما يلي:
أولاً:
إنني لم أجىء إليكم لكي أعقد اتفاقاً منفرداً بين مصر وإسرائيل. ليس هذا وارداً في سياسة مصر. فليست المشكلة هي مصر وإسرائيل. وأي سلام منفرد بين مصر وإسرائيل، أو بين أية دولة من دول المواجهة وإسرائيل، فإنه لن يقِيم السلام الدائم، العادل، في المنطقة كلها. بل أكثر من ذلك، فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل، بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية، فإن ذلك لن يحقق أبداً السلام الدائم، العادل، الذي يلحّ العالم كله اليوم عليه.
ثانياً:
إنني لم أجىء إليكم لكي أسعى إلى سلام جزئي، بمعنى أن ننهي حالة الحرب في هذه المرحلة، ثم نرجئ المشكلة برمّتها إلى مرحلة تالية. فليس هذا هو الحل الجذري، الذي يصل بنا إلى السلام الدائم.
ويرتبط بهذا، أنني لم أجىء إليكم لكي نتفق على فضِّ اشتباك ثالث في سيناء، أو في سيناء والجولان والضفة الغربية. فإن هذا يعني أننا نؤجل فقط اشتعال الفتيل إلى أي وقت مقبل، بل هو يعني، أننا نفتقد شجاعة مواجهة السلام ، وأننا أضعف من أن نتحمل أعباء ومسؤوليات السلام الدائم، العادل.
لقد جئت إليكم لكي نبني معاً السلام الدائم، العادل، حتى لا تُراق نقطة دم واحدة من جسد عربي أو إسرائيلي.
ومن أجل هذا، أعلنت أنني مستعدّ لأن أذهب إلى آخر العالم.
وهنا أعود إلى الإجابة عن السؤال الكبير: كيف نحقق السلام الدائم، العادل؟
في رأيي، وأعلنها من هذا المنبر للعالم كله، أن الإجابة ليست مستحيلة، ولا هي بالعسيرة، على الرغم من مرور أعوام طويلة من ثأر الدم، والأحقاد والكراهية، وتنشئة أجيال على القطيعة الكاملة، والعداء المستحكم. الإجابة ليست عسيرة، ولا هي مستحيلة، إذا طرقنا سبيل الخط المستقيم بكل الصدق والأمانة.
أنتم تريدون العيش معنا في هذه المنطقة من العالم. وأنا أقول لكم، بكل الإخلاص، إننا نرحب بكم بيننا، بكل الأمن والأمان.
إن هذا في حد ذاته، يشكّل نقطة تحوّل هائلة من علامات تحوّل تاريخي حاسم.
لقد كنّا نرفضكم، وكانت لنا أسبابنا ودعوانا .. نعم .
لقد كنّا نرفض الاجتماع بكم، في أي مكان .. نعم .
لقد كنّا نصِفكم بإسرائيل المزعومة .. نعم .
لقد كانت تجمعنا المؤتمرات أو المنظمات الدولية، وكان ممثلونا، ولا يزالون، لا يتبادلون التحية والسلام .. نعم .
حدث هذا، ولا يزال يحدث.
لقد كنّا نشترط لأي مباحثات وسيطاً، يلتقي كل طرف على انفراد .. نعم .
هكذا تمَّت مباحثات فضِّ الاشتباك الأول. وهكذا أيضاً تمَّت مباحثات فضِّ الاشتباك الثاني.
كما أن ممثلينا التقوا في مؤتمر جنيف الأول، دون تبادل كلمة مباشرة .. نعم . هذا حدث.
ولكنني أقول لكم اليوم، وأعلن للعالم كله، إننا نقبل بالعيش معكم في سلام دائم وعادل. ولا نريد أن نحيطكم أو أن تحيطونا بالصواريخ المستعدة للتدمير، أو بقذائف الأحقاد والكراهية.
ولقد أعلنت أكثر من مرة، أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة، اعترف بها العالم، وحملت القوَّتان العُظميان مسؤولية أمنها وحماية وجودها. ولمّا كنّا نريد السلام ، فعلاً وحقّاً، فإننا نرحب بأن تعيشوا بيننا، في أمن وسلام ، فعلاً وحقّاً.
لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان. ولكنه تحطم في عام 1973.
كان جداراً من الحرب النفسية، المستمرة في التهابها وتصاعدها.
كان جداراً من التخويف بالقوة، القادرة على اكتساح الأمة العربية، من أقصاها إلى أقصاها.
كان جداراً من الترويج، أننا أمّة تحولت إلى جثة بلا حراك، بل إن منكم من قال إنه حتى بعد مضيّ خمسين عاماً مقبلة، فلن تقوم للعرب قائمة من جديد.
كان جداراً يهدد دائماً بالذراع الطويلة، القادرة على الوصول إلى أي موقع وإلى أي بُعد.
كان جداراً يحذرنا من الإبادة والفناء، إذا نحن حاولنا أن نستخدم حقّنا المشروع في تحرير أرضنا المحتلة.
وعلينا أن نعترف معاً بأن هذا الجدار ، قد وقع وتحطم في عام 1973. ولكن، بقي جدار آخر.
هذا الجدار الآخر، يشكّل حاجزاً نفسياً معقّداً بيننا وبينكم. حاجزاً من الشكوك، حاجزاً من النفور، حاجزاً من خشية الخداع، حاجزاً من الأوهام حول أي تصرف أو فعل أو قرار، حاجزاً من التفسير الحذر الخاطئ لكل حدث أو حديث.
وهذا الحاجز النفسي، هو الذي عبّرت عنه في تصريحات رسمية، بأنه يشكّل سبعين في المائة من المشكلة.
وإنني أسألكم اليوم، بزيارتي لكم، لماذا لا نمدّ أيادينا، بصدقٍ وإيمانٍ وإخلاصٍ، لكي نحطم هذا الحاجز معاً؟
لماذا
لا تتفق إراداتنا، بصدقٍ وإيمانٍ وإخلاصٍ، لكي نزيل معاً كل شكوك الخوف والغدر والتواء المقاصد وإخفاء حقائق النوايا؟
لماذا
لا نتصدى معاً، بشجاعة الرجال، وبجسارة الأبطال، الذين يهَبون حياتهم لهدفٍ أسمَى؟
لماذا
لا نتصدى معاً، بهذه الشجاعة والجسارة، لكي نقِيم صرحاً شامخاً للسلام، يحمي ولا يهدِّد، يشعّ لأجيالنا القادمة أضواء الرسالة الإنسانية نحو البناء والتطور ورِفعة الإنسان؟
لماذا
نُورِث هذه الأجيال نتائج سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وتيتيم الأطفال، وترمل الزوجات، وهدم الأُسر، وأنين الضحايا؟
لماذا
لا نؤمن بحكمة الخالق، التي أوردها في أمثال سليمان الحكيم:
"الغش في قلب الذين يفكرون في الشرّ. أمّا المبشرون بالسلام، فلهم فرح".
"لقمـة يابسـة، ومعها سلامة، خير من بيت مليء بالذبائح، مع الخصام".
لماذا
لا نردّد معاً من مزامير داوود النبي:
"إليك، يا رب، أصرخ. اسمع صوت تضرعي، إذا استغثت بك. وأرفع يدي إلى محراب قُدْسك، لا تجذبني مع الأشرار ومع فَعَلة الإثم، المخاطبين أصحابهم بالسلام، والشرّ في قلوبهم. أعطهم حسب فِعلهم، وحسب شر أعمالهم. أطلب السلامة وأسعى وراءها" .
أيها السادة
الحق أقول لكم، إن السلام لن يكون اسماً على مسمّى، ما لم يكن قائماً على العدالة، وليس على احتلال أرض الغير. ولا يَسُـوغ أن تطلبوا لأنفسكم ما تنكرونه على غيركم.
وبكل صراحة، وبالروح التي حدت بي على القُدوم إليكم اليوم، فإني أقول لكم، إن عليكم أن تتخلّوا، نهائياً، عن أحلام الغزو، وأن تتخلّوا، أيضاً، عن الاعتقاد بأن القوة هي خير وسيلة للتعامل مع العرب.
إن عليكم أن تستوعبوا جيداً دروس المواجهة بيننا وبينكم، فلن يجديكم التوسع شيئاً.
ولكي نتكلم بوضوح، فإن أرضنا لا تقبل المساومة، وليست عُرضة للجدل. إن التراب الوطني والقومي، يعتبر لدينا في منزلة الوادي المقدس طُوى، الذي كلّم فيه الله موسى ـ عليه السلام . ولا يملك أي منّا، ولا يقبل أن يتنازل عن شبر واحد منه، أو أن يقبل مبدأ الجدل والمساومة عليه.
والحق أقول لكم أيضاً، إن أمامنا، اليوم، الفرصة السانحة للسلام، وهي فرصة لا يمكن أن يجود بمثلها الزمان، إذا كنّا جادّين حقاً في النضال من أجل السلام .
وهي فرصة، لو أضعناها، أو بدّدناها، فلسوف تحلّ بالمتآمر عليها لعنة الإنسانية، ولعنة التاريخ.
ما هو السلام بالنسبة إلى إسرائيل؟
أن تعيش في المنطقة، مع جيرانها العرب، في أمن واطمئنان. هذا منطق أقول له نعم .
أن تعيش إسرائيل في حدودها آمنة من أي عدوان. هذا منطق أقول له نعم .
أن تحصل إسرائيل على كل أنواع الضمانات ، التي تؤمِّن لها هاتَيْن الحقيقتَيْن. هذا مطلب أقول له نعم .
بل إننا نعلن أننا نقبَل كل الضمانات الدولية، التي تتصورونها، وممّن تَرضَونه أنتم.
نعلن أننا نقبَل كل الضمانات ، التي تريدونها من القوَّتين العُظمَيين، أو من إحداهما، أو من الخمسة الكبار، أو من بعضهم.
وأعود فأعلن، بكل الوضوح، أننا قابلون بأي ضمانات تَرتضونها، لأننا في المقابل، سنأخذ نفس الضمانات .
خلاصة القول، إذاً، عندما نسأل: ما هو السلام بالنسبة إلى إسرائيل؟ يكون الرد هو أن تعيش إسرائيل في حدودها مع جيرانها العرب في أمن وأمان، وفي إطار كل ما ترتضيه من ضمانات، يحصل عليها الطرف الآخر.
ولكن كيف يتحقق هذا؟ كيف يمكن أن نصِل إلى هذه النتيجة، لكي نصِل بها إلى السلام الدائم، العادل؟
هناك حقائق لا بد من مواجهتها، بكل شجاعة ووضوح.
هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية. القدس التي حضرت إليها باعتبارها مدينة السلام ، والتي كانت، وسوف تظل على الدوام، التجسيد الحيّ للتعايش بين المؤمنين بالديانات الثلاث.
وليس من المقبول أن يفكر أحد في الوضع الخاص لمدينة القدس ، في إطار الضم أو التوسع. وإنّما يجب أن تكون مدينة حرة، مفتوحة لجميع المؤمنين.
وأهم من كل هذا، فإن تلك المدينة، يجب ألاّ تُفصل عن هؤلاء الذين اختاروها مقرّاً ومقاماً لعدة قرون.
وبدلاً من إيقاظ أحقاد الحروب الصليبية، فإننا يجب أن نحيِي روح عمر بن الخطاب وصلاح الدين، أي روح التسامح واحترام الحقوق.
إن دُور العبادة، الإسلامية والمسيحية، ليست مجرد أماكن لأداء الفرائض والشعائر، بل إنها تقوم شاهد صدقٍ على وجودنا، الذي لم ينقطع في هذا المكان، سياسياً وروحياً وفكرياً.
وهنا، فإنه يجب ألاّ يخطئ أحد تقدير الأهمية والإجلال اللذين نكنّهما للقدس، نحن معشر المسيحيين والمسلمين.
ودعوني أَقُلْ لكم، بلا أدنى تردُّد، إنني لم أجىء إليكم تحت هذه القبة، لكي أتقدم برجاء أن تُجلوا قواتكم من الأرض المحتلة. إن الانسحاب الكامل من الأرض المحتلة بعد 1967، أمر بديهي، لا نقبل فيه الجدل، ولا رجاء فيه لأحد أو من أحد.
ولا معنى لأي حديث عن السلام الدائم، العادل، ولا معنى لأي خطوة لضمان حياتنا معاً في هذه المنطقة من العالم، في أمن وأمان، وأنتم تحتلون أرضاً عربية بالقوة المسلحة. فليس هنالك سلام يستقيم أو يُبنى، مع احتلال أرض الغير.
نعم، هذه بديهية، لا تقبل الجدل والنقاش، إذا خلُصت النوايا وصَدَق النضال، لإقرار السلام الدائم، العادل، لجيلنا ولكل الأجيال من بعدنا.
أمّا بالنسبة للقضية الفلسطينية، فليس هناك من ينكر أنها جوهر المشكلة كلها، وليس هناك من يقبل، اليوم، في العالم كله، شعارات رُفعت هنا في إسرائيل، تتجاهل وجود شعب فلسطين، بل تتساءل أين هو هذا الشعب؟
إن قضية شعب فلسطين، وحقوق شعب فلسطين المشروعة، لم تعد، اليوم، موضع تجاهل أو إنكار من أحد. بل لا يحتمل عقل يفكر أن تكون موضع تجاهل أو إنكار.
إنها واقع استقبله المجتمع الدولي، غرباً وشرقاً، بالتأييد والمساندة والاعتراف، في مواثيق دولية وبيانات رسمية، لن يجدي أحداً أن يصمّ أذنيه عن دويّها المسموع، ليل نهار، أو أن يغمض عينيه عن حقيقتها التاريخية، حتى الولايات المتحدة الأمريكية، حليفكم الأول، التي تحمل قمة الالتزام لحماية وجود إسرائيل وأمنها، والتي قدّمت، وتقدّم إلى إسرائيل كل عون معنوي ومادي وعسكري. أقول حتى الولايات المتحدة اختارت أن تواجِه الحقيقة والواقع، وأن تعترف بأن للشعب الفلسطيني حقوقاً مشروعة، وأن المشكلة الفلسطينية هي قلب الصراع وجوهره، وطالما بقيت معلقة دون حل، فإن النزاع سوف يتزايد ويتصاعد، ليبلغ أبعاداً جديدة.
وبكل الصدق، أقول لكم إن السلام لا يمكن أن يتحقق بغير الفلسطينيين، وإنه لخطأ جسيم، لا يعلم مداه أحد، أن نغمض الطرف عن تلك القضية، أو ننحِّيها جانباً.
ولن أستطرد في سرد أحداث الماضي، منذ صدر وعد بلفور لستين عاماً خلَت، فأنتم على بيّنة من الحقائق جيداً.
وإذا كنتم قد وجدتم المبرر، القانوني والأخلاقي، لإقامة وطن قومي على أرضٍ، لم تكن كلها ملكاً لكم، فأَولى بكم أن تتفهموا إصرار شعب فلسطين على إقامة دولته من جديد في وطنه.
وحين يُطالب بعض الغُلاة والمتطرفين أن يتخلّى الفلسطينيون عن هذا الهدف الأسمى، فإن معناه، في الواقع وحقيقة الأمر، مطالبة لهم بالتخلي عن هويتهم، وعن كل أمل لهم في المستقبل.
إنني أحيِّي أصواتاً إسرائيلية، طالبت بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى السلام ، وضماناً له. ولذلك، فإنني أقول، أيها السيدات والسادة، إنه لا طائل من وراء عدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه في إقامة دولته وفي العودة. لقد مررنا، نحن العرب، بهذه التجربة من قبل، معكم، ومع حقيقة الوجود الإسرائيلي، وانتقل بنا الصراع من حربٍ إلى حربٍ، ومن ضحايا إلى مزيد من الضحايا، حتى وصلنا، اليوم، نحن وأنتم، إلى حافة هاوية رهيبة وكارثة مروّعة، إذا نحن لم نغتنم اليوم معاً فرصة السلام الدائم والعادل.
عليكم أن تواجِهوا الواقع مواجَهة شجاعة، كما واجهته أنا.
ولا حلّ لمشكلة أبداً بالهروب منها، أو بالتعالي عليها.
ولا يمكن أن يستقر سلام بمحاولة فرض أوضاع وهمية، أدار لها العالم كله ظهره، وأعلن نداءه الإجماعي بوجوب احترام الحق والحقيقة.
ولا داعي للدخول في الحلقة المفرَغة مع الحق الفلسطيني.
ولا جدوى من خلق العقبات، إلاّ أن تتأخر مسيرة السلام ، أو أن يُقتل السلام .
وكما قلت لكم، فلا سعادة لأحد على حساب شقاء الآخرين. كما أن المواجَهة المباشرة والخط المستقيم، هما أقرب الطرق وأنجحها للوصول إلى الهدف الواضح. والمواجَهة المباشرة للمشكلة الفلسطينية، واللغة الواحدة لعلاجها نحو سلام دائم، عادل، هي في أن تقوم دولته.
ومع كل الضمانات الدولية، التي تطلبونها، فلا يجوز أن يكون هناك خوف من دولة وليدة، تحتاج إلى معونة كل دول العالم لقيامها. وعندما تدق أجراس السلام ، فلن توجد يد لتدق طبول الحرب، وإذا وُجدت، فلن يُسمع لها صوتٌ.
وتصوروا معي اتفاق سلام في جنيف، نزفّه إلى العالم المتعطش إلى السلام . اتفاق سلام يقُوم على:
أولاً:
إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، التي اُحتلت في عام 1967.
ثانياً:
تحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وحقّه في تقرير المصير، بما في ذلك حقّه في إقامة دولته.
ثالثاً:
حق كل دول المنطقة في العيش في سلام داخل حدودها الآمنة، والمضمونة عن طريق إجراءات يُتفق عليها، تحقق الأمن المناسب للحدود الدولية، بالإضافة إلى الضمانات الدولية المناسبة.
رابعاً:
تلتزم كل دول المنطقة بإدارة العلاقات فيما بينها، طبقاً لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبصفة خاصة عدم الالتجاء إلى القوة، وحل الخلافات بينها بالوسائل السلمية.
خامساً:
إنهاء حالة الحرب القائمة في المنطقة.
أيها السيدات والسّادة
إن السلام ليس توقيعاً على سطور مكتوبة، بل إنه كتابة جديدة للتاريخ. إن السلام ليس مباراة في المناداة به، للدفاع عن أية شهوات أو لِسَـتر أية أطماع، ف السلام ، في جوهره، نضال جبّار ضد كل الأطماع والشهوات. ولعل تجارب التاريخ، القديم والحديث، تعلّمنا جميعاً أن الصواريخ والبوارج والأسلحة النووية، لا يمكن أن تقِيم الأمن، ولكنها على العكس تحطم كل ما يبنيه الأمن.
وعلينا، من أجل شعوبنا، من أجل حضارة صنعها الإنسان، أن نحمي الإنسان في كل مكان، من سلطان قوة السلاح.
علينا أن نُعلي سلطان الإنسانية بكل قوة القِيم والمبادئ، التي تُعلي مكانة الإنسان.
وإذا سمحتم لي أن أتوجه بندائي من هذا المنبر إلى شعب إسرائيل، فإنني أتوجه بالكلمة الصادقة الخالصة، إلى كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل.
إنني أحمل إليكم من شعب مصر، الذي يُبارك هذه الرسالة المقدسة من أجل السلام ، أحمل إليكم رسالة السلام ، رسالة شعب مصر، الذي لا يعرف التعصب، والذي يعيش أبناؤه، من مسلمين ومسيحيين ويهود، بروح المودّة والحب والتسامح. هذه هي مصر، التي حمّلني شعبها أمانة الرسالة المقدسة، رسالة الأمن والأمان والسلام .
فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل: شجعوا قيادتكم على نضال السلام ، ولتتجه الجهود إلى بناء صرْح شامخ للسلام، بدلاً من بناء القلاع والمخابئ المحصنة بصواريخ الدمار. قدّموا للعالم صورة الإنسان الجديد في هذه المنطقة من العالم، لكي يكون قدوة لإنسان العصر، إنسان السلام في كل موقع ومكان.
بشّروا أبناءكم، أن ما مضى هو آخر الحروب ونهاية الآلام، وأن ما هو قادم هو البداية الجديدة، للحياة الجديدة، حياة الحب والخير والحرية والسلام .
ويا أيتها الأم الثكلى،
ويا أيتها الزوجة المترملة،
ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب،
يا كل ضحايا الحروب،
ـ املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام .
ـ املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام .
ـ اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر.
ـ اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال.
وإرادة الشعوب هي من إرادة الله.
أيها السيدات والسّادة
قبل أن أصل إلى هذا المكان، توجّهت بكل نبضة في قلبي، وبكل خلجة في ضميري، إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ وأنا أؤدي صلاة العيد في المسجد الأقصى، وأنا أزور كنيسة القيامة، توجهت إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالدعاء أن يلهمني القوة، وأن يؤكد يقين إيماني بأن تحقِّق هذه الزيارة أهدافها، التي أرجوها، من أجل حاضر سعيد، ومستقبل أكثر سعادة.
لقد اخترت أن أخرج على كل السوابق والتقاليد، التي عرفتها الدول المتحاربة، ورغم أن احتلال الأرض العربية ما زال قائماً، بل كان إعلاني عن استعدادي للحضور إلى إسرائيل مفاجأة كبرى، هزّت كثيراً من المشاعر، وأذهلت كثيراً من العقول، بل شككت في نواياها بعض الآراء، برغم كل ذلك، فإنني استلهمت القرار بكل صفاء الإيمان وطهارته، وبكل التعبير الصادق عن إرادة شعبي ونواياه، واخترت هذا الطريق الصعب، بل إنه في نظر الكثيرين أصعب طريق.
اخترت أن أحضر إليكم، بالقلب المفتوح والفكر المفتوح.
اخترت أن أعطي هذه الدفعة لكل الجهود العالمية المبذولة من أجل السلام .
اخترت أن أقدم لكم، وفي بيتكم، الحقائق المجرّدة عن الأغراض والأهواء.
لا لكي أناور، ولا لكي أكسب جولة، ولكن لكي نكسب معاً أخطر الجولات والمعارك في التاريخ المعاصر، معركة السلام العادل والدائم.
إنها ليست معركتي فقط، ولا هي معركة القيادات فقط في إسرائيل، ولكنها معركة كل مواطن على أرضنا جميعاً، من حقّه أن يعيش في سلام . إنها التزام الضمير والمسؤولية في قلوب الملايين.
وقد تساءل الكثيرون، عندما طرحت هذه المبادرة، عن تصوري لما يمكن إنجازه في هذه الزيارة، وتوقعاتي منها. وكما أجبت السائلين، فإنني أعلن أمامكم أنني لم أفكر في القيام بهذه المبادرة من منطلق ما يمكن تحقيقه أثناء الزيارة، وإنما جئت هنا لكي أبلغ رسالة.
ألا هل بلّغت؟ اللهمّ فاشهــد .
اللهم إنني أردد مع زكريا قوله: "أحبوا الحقّ والسلام ".
وأستلهم آيات الله ـ العزيز الحكيم ـ حين قال:قُلْ آمنَّا باللهِ ومَا أُنزِلَ عَلَيْنَا ومَا أُنْزِلَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ وإسْحَقَ ويَعْقُوبَ والأسْبَاطِ ومَا أُوتِيَ مُوسَى وعِيسَى والنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون . والسلام عليكم. عن موقع محمد أنور السادات الرسمي
نوره- عضو ذهبي
- عدد المساهمات : 660
تاريخ التسجيل : 13/01/2009
دعـــــــــــــــــاء :
رد: خطاب السادات بمناسبة ذكرى اكتوبر
خطاب الرئيس محمد أنور السادات
في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب
فى١٦أكتوبر ١٩٧٣
بسم الله
أيها الإخوة والأخوات
كان بودي ان أجيء إليكم قبل الآن ،ألتقي بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا لكن مشاغلي كانت كما تعلمون وكما تدرون وأثق أنكم تقدرون ومهما يكن فلقد أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معاً فيما أخذت علي مسئوليتي تعبيراً عن إرادة أمة وتعبيراً عن مصير شعب مناسباً ان أجيء اليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجري علي أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية وهي قضية الحرب والسلام ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية او اقليمية لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركته ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإنني أريد أن أدخل مباشرة فيها أريد أن اتحدث معكم وسوف أركز علي نقطتين : الحرب والسلام
أولاً : الحرب
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهي بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل واعظم وأمجد أيام تاريخنا وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهي ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل ، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة والآمها وحلاوة النصر وآماله ، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه ، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتي نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني علي أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا وإذا جاز لي أن أتوقف قليلاً وأنا أعلم أنني أتوق شوقاً إلي سماع الكثير فإنني أقول ما يلي
أولاً : فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبط من هذا اليوم ، عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هي التكليف الأول الذي حملته ولاء لشعبنا وللأمة ، عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لن أدخر جهداً ولن أتردد دون تضحية مهما كلفني في سبيل أن تصل الأمة إلي وضع تكون فيه قادرة علي دفع إرادتها إلي مستوي أمانيها ذلك أن إعتقادنا دائماً كان ولايزال أن التمني بلا ارادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن تقع في سرابه أو في ضبابه
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن نثبت للعالم أن نكسة ١٩٦٧ كانت إستثناء في تاريخنا وليست قاعدة
وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب (٧٠٠٠) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنا لايعلو عنها وللوصول اليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمي ٠٠ عاهدت الله وعاهدتكم علي أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلي جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء ولكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولا أتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ وكانت الحسابات مضنية والمسئولية فادحة لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مراراً وتكراراً إن ذلك قدري وإني حملته علي كتفي ، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصاً أن أفي بالوعد ملتمساً عون الله وطالباً ثقتكم وثقة الأمة وإني لأحمد الله
ثانياً : لقد كان كل شيء منوطاً بارادة هذه الأمة ، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة وما كنا نستطيع شيئاً وما كان أحد ليستطيع شيئاً لو لم يكن هذا الشعب ، ولو لم تكن هذه الأمة ، لقد كان الليل طويلاً وثقيلاً ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبداً بطلوع الفجر وإني لأقول بغير إدعاء أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة ان نكستها لم تكن سقوطاً وإنما كانت كبوة عارضة وان حركتها لم تكن فوراناً وانما كانت ارتفاعاً شاهقاً لقد أعطي شعبنا جهداً غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددة وأظهر شعبنا وعياً غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعي فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسئوليتي وقبلت راضياً بما شاء الله ان يضعه علي كاهلي كنت أعرف ان ايمان الشعب هو القاعدة وإذا كانت القاعدة ، سليمة فان كل ما ضاع يمكن تعويضه وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الإنطلاق إليه مرة اخري وبرغم ظواهر عديدة بعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري في كل يوم يمر هل القاعدة سليمة ؟
وكنت واثقاً انه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها ان تمس صلابة هذه القاعدة
ومادامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير وغير ذلك لن يكون إلا زوبعة في فنجان كما يقولون
لست أنكر إننا وُجهنا بمصاعب جمة ، مصاعب حقيقية مصاعب في الخدمات ، مصاعب في التموين مصاعب في الإنتاج ، مصاعب في العمل السياسي أيضاً . وكنت أعرف الحقيقة ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها كنت أعرف إننا نحاول نجعل الحياة مقبولة للناس وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر وكنت واثقاً إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي ، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون وأحمد الله
ثالثاً : لقد كانت هناك إشارة واضحة إلي وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها وكنت أري ذلك طبيعياً لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارة النكسة ، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه إمتحانها الرهيب وهي علي هذه الحالة من التمزق في ضميرها
كنت أقول أن هذا التمزق فضلاً عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضاً بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد انه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات علي إستعداد للدخول في مناقشات عقيمة ، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي ؟ وكان رأيي ان الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيراً بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة ، لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ ولكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبري فانها قادرة علي ان تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك ، كنت مؤمناً بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية وكنت مدركاً للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة
ولكنني كنت واثقاً أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها علي كل القوي وعلي كل الأطراف وعلي كل التيارات لأننا جميعاً سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بين الاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله
رابعاً : ولقد كنت أعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجماً بالغيب ولا تكهناً لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفت بالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها
إن سجل هذه القوات كان باهراً ولكن أعداءنا الإستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزاً مخيفاً لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفي سيفها ، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة ، كانت من ضحايا نكسة
سنة ١٩٦٧ ولم تكن أبداً من أسبابها
كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبد الناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قراراً بالإنسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر
إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧ ان هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعاً عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه ، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل
إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة علي أعلي مقياس عسكري ، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسئولية إستكمال البناء ومسئولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامت بمعجزة علي أعلي مقياس عسكري استوعبت العصر كله تدريباً وسلاحاً بل وعلماً واقتداراً حين أصدرت لها الأمر ان ترد علي استفزاز العدو وان تكبح جماح غروره فإنها أثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققت مفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة
إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم ٦
أكتوبر ١٩٧٣ ولست اتجاوز اذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم ٦ أكتوبر ٧٣ حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من إقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه
لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة ٦ أكتوبر خلال الساعات الست الأولي من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلي هذه اللحظة
وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً وبعض الاعتزاز إيمان فان الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وبإسم هذا الشعب وبإسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة ثقتنا في قياداتها التي خططت وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم ، ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها علي إستيعاب هذا السلاح
أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح درع وسيف
أريد من هنا أن أشد إنتباه حضراتكم معي إلي الجبهة الشمالية حيث يحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد
وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتم الأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين ،، انكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال
ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها ، لقد كنا من طلائع المعركة ، تحملنا ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا ، ولسوف نواصل القتال ، ولسوف نتحدي الخطر ، ولسوف نواصل مع إخوة لنا ، تنادوا الي الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرق والدم حتي نصل إلي هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة المستمرة
أيها الإخوة والأخوات
كل ذلك عن الحرب والآن ماذا عن السلام ؟
عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسي كما لابد لغيرنا ألا يتناسي حقيقية الأسباب التي من أجلها كانت حربنا وقد تأذنون لي أن أضع بعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم
أولاً : اننا حاربنا من أجل السلام ٠٠ حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام ، وهو السلام القائم علي العدل ، إن عدونا يتحدث احياناً عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل ، إن دافيد بن جوريون هو الذي صاغ لاسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يفرض والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب او شنها فعلاً
والخطأ الكبير الذي وقع في عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد أثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية
السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم ، السلام بالعدل وحده ، والسلام ليس بالارهاب مهما أمعن في الطغيان ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة
ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادي فيها عدونا ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين ، أي منذ قامت الدولة الصهيونية بإغتصاب فلسطين ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم : أين ذهبت نظرية الأمن الإسرائيلي التي حاولوا اقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة اخري ، طوال خمس وعشرين سنة ؟ لقد انكسرت وتحطمت ، قوتنا العسكرية تتحدي اليوم قوتهم العسكرية وها هم في حرب طويلة ممتدة وهم أمام إستنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعون وها هم عمقهم معرض إذا تصوروا أن في إستطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربي
وربما أضيف كي يسمعوا في إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون أن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن علي قواعدها ، مستعدة للإنطلاق بإشارة واحدة إلي الأعماق في اسرائيل ولقد كان في وسعنا منذ الدقيقة الأولي للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصاً وأن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون علي تحمل تبعاته لكننا ندرك مسئولية استعمال أنواع معينة من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها ، وإن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوما ومازلت أقوله العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق
ثانياً : اننا لم نحارب لكي نعتدي علي أرض غيرنا وإنما حاربنا ونحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين اثنين
الأول : استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة ١٩٦٧
الثاني : إيجاد السبل لإستعادة وإحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ، هذه هي أهدافنا من قبول مخاطر القتال ولقد قبلناها رداً علي استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئين إنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن حرياتنا وعن حقنا في الحرية والحياة
إن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن في حربنا خارجين علي القيم ولا القوانين التي إرتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها في ميثاق الامم المتحدة الذي كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها علي الفاشية والنازية بل لعلنا نقول ان حربنا هي إستمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية ، ذلك لأن الصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليس إلا تكراراً هزيلاً للفاشية والنازية يثير الإزدراء ولا يثير الخوف ويبعث علي الإحتقار أكثر مما يبعث علي الكراهية
إننا في حربنا كنا نتصرف وفق نص روح وميثاق الأمم المتحدة وليس مجافاة للروح ولا للنص وإلي جانب الميثاق نفسه فقد كنا نتصرف تقديراً واحتراماً لقرارات المنظمة الدولية سواء علي مستوي الجمعية العامة للأمم المتحدة أو علي مستوي مجلس الأمن
أيها الإخوة والأخوات لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشاد بشجاعتنا دفاعاً عن هذا الحق
أدرك العالم إننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجب الدفاع عن النفس ، لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمع الدول لسنا مغامري حرب وانما نحن طلاب سلام
أدرك العالم ذلك كله وكان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا واليوم زاد علي تعاطفه معنا إحترامه لتصميمنا علي الدفاع عن هذه القضية ولقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز بإحترامه وأقول لكم بصدق وأمانة إنني افضل إحترام العالم ولو بغير عطف علي عطف العالم اذا كان بغير إحترام وأحمد الله
أيها الإخوة والأخوات
إن دولة واحدة اختلفت مع العالم كله ولم تختلف معنا فقط انما مع العالم كله كما قلت ، وهذه الدولة هي الولايات المتحدة لقد فوجئت كما تدعي بأننا حاولنا رد العدوان ولسنا نفهم كيف ولماذا فوجئت هذه الدولة ، لم تكتف كما تقول بأنها فوجئت وإنما أفاقت من المفاجأة دون أن تعود إلي الصواب ، ومن المؤسف والمحزن أن يكون هذا موقف واحدة من القوي الأعظم في هذا العصر لقد كنا نتوقع أو ربما نتمني ضد الشواهد والتجارب كلها أن تفيق الولايات المتحدة الامريكية من المفاجأة إلي الصواب لكن ذلك لم يحدث ورأينا الولايات المتحدة تخرج من المفاجأة إلي المناورة والعودة إلي خطوط ما قبل ٦ أكتوبر وكان يمكن أن نغضب من هذا المنطق المعكوس ولكننا لم نغضب لأننا نثق في أنفسنا من ناحية ومن ناحية أخري لأننا بالفعل نريد أن نساهم في سلام العالم
إن العالم يدخل في عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارض سياسة الوفاق ، كان لنا تحفظ واحد عليها ومازال تحفظناً قائماً ، إذا كنا نريد أن يدخل العالم بعد إستحالة الحرب العالمية إلي عصر من السلام فإن السلام ليس معني مجرداً او مطلقاً السلام له معني واحد هو أن تشعر كل شعوب الأرض إنه سلام لها وليس سلاماً مفروضاً عليها
واني لأقول امام حضراتكم وعلي مسمع من العالم : نحن نريد ان تنجح وان تتدعم سياسة الوفاق ونحن علي إستعداد للمساهمة في إنجاحها وتدعيمها
إن أي نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلاً فحسب وإنما هو إهانة لا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذي يعرف أهمية وقيمة المنطقة التي نعيش فيها وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة علي أن تمنح وأن تمنع
أيها الإخوة والأخوات
إن الولايات المتحدة بعد المناورة التي رفضنا مجرد مناقشتها خصوصاً بعد ان فتحنا طريق الحق بقوة السلاح إندفعت إلي سياسة لا نسطيع أن نسكت عليها ٠٠ لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها أمتنا العربية ٠٠ ذلك إنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل
لم يكف الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذي مكن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الاوسط فاذا هي الآن تتورط فيما هو افدح ، فيما هو اخطر في عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة إذ هي تسارع إلي العدوان تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه
إن الولايات المتحدة تقيم جسراً بحرياً وجوياً تتدفق منه علي إسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة واليكترونيات جديدة ونحن نقول لهم إن هذا لن يخيفنا ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلي نقطة اللاعودة أن نفهم إلي أين وإلي متي وأين ونحن خريطة الشرق الاوسط وليست إسرائيل ، إلي أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل ؟ الي اين والي متي ؟
أيها الإخوة والأخوات
لقد فكرت في أن أبعث إلي الرئيس ريتشارد نيكسون بخطاب أحدد فيه موقفنا بوضوح ولكنني ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك قررت ان استعيض عن ذلك بتوحيد رسالة مفتوحة إليه من هنا ، رسالة لا يمليها القول ولكن تمليها الثقة ، رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية في صون السلام ودعم الوفاق ، أريد أن اقول إنه بوضوح إن مطلبنا في الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه ، وإذا كنتم تريدون معارضة مطلبنا في السلام فإليكم مشروعنا للسلام
اولاً : إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أرضنا التي أمسك بها الإحتلال الإسرائيلي سنة ٦٧ ولإيجاد السبيل لإستعادة وإحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ، ونحن في هذا نقبل إلتزامنا بقرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلس الأمن
ثانياً : إننا علي استعداد لقبول وقف إطلاق النار علي أساس إنسحاب القوات الاسرائيلية عن كل الأراضي المحتلة فوراً وتحت اشراف دولي إلي خطوط ما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧
ثالثاً : إننا علي إستعداد فور إتمام الإنسحاب من كل هذه الأراضي أن نحضر مؤتمر سلام دولي في الأمم المتحدة سوف أحاول جهدي أن اقنع به رفاقي من القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو كما إنني سوف أحاول جهدي أن أقنع به ممثلي الشعب الفلسطيني وذلك لكي يشارك معنا ومع مجتمع الدول في وضع قواعد وضوابط السلام في المنطقة يقوم علي إحترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة . رابعاً : إننا علي إستعداد في هذه الساعة من هذه الدقيقة أن نبدأ في تطهير قناة السويس وفتحها أمام الملاحة الدولية لكي تعود أداء دورها في رخاء العالم وازدهاره ولقد أصدرت الأمر بالفعل إلي رئيس هيئة قناة السويس بالبدء في هذه العملية غداة إتمام تحرير الضفة الشرقية للقناة وقد بدأت بالفعل مقدمات للإستعداد لهذه المهمة
خامساً : إننا لسنا علي إستعداد في هذا كله لقبول وعود بمهمة أو بمبادرات مضللة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت مما لا جدوي منه وتعيد قضيتنا إلي جمودها لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدي الغير أو تضحيات بالنسبة لنا ، ما نريده الآن هو الوضوح ، الوضوح في الغايات والوضح في الوسائل
أيها الإخوة والأخوات
لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصاً أن يفهمها الجميع في إطارها الصحيح وأن يضعوها علي الخط المستقيم وأن يحسنوا تقدير الأمور إن هذه المسألة تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال ومن جانبنا فإننا نواجه هذه الساعات بخضوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم هذه ساعات تدور فيها معارك أكبر مما دار من أسلحة تقليدية حتي في حروب العمالقة، هذه ساحات تتقرر فيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها علي المستقبل وهي تؤكد نفسها في الحاضر هذه ساعات يتقدم فيها أبطال ، وهذه ساعات يسقط بل يرتفع فيها شهداء هذه ساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخري ذلك إننا كنا ولازلنا نريد الحق ولا نريد الحرب لكننا كنا ولانزال نريد الحق حتي إذا فرضت علينا الحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملأ كل القلوب فانني كنت فيما بيني وبين ربي أعرف مدي العناء الإنساني الذي ندفعه في سبيل النصر
ولقد كنت أتتبع أنباء إنتصارنا في خشوع لإنني أعرف الحرب ولقد كان أعز القائلين هو الذي علمنا >كتب عليكم القتال وهو كره لكم
أيها الإخوة والأخوات
هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيها الأصدقاء ونعرف فيها الأعداء ، ولقد عرفنا انفسنا ولقد عرفنا اصدقائنا وكانوا بأصدق وأخلص ما نطلب من الأصدقاء ولقد كنا نعرف عدونا دائماً ولسنا نريد أن نزيد من أعداءنا بل اننا لنوجه الكلمة بعد الكلم والتنبيه بعد التنبيه ، والتحذير بعد التحذير لكي نعطي للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون لكننا بعون الله قادرون بعد الكلمة وبعد التنبيه وبعد التحذير أن نوجه الضربة بعد الضربة ولسوف نعرف متي وأين وكيف إذا أرادوا التصاعد فيما يفعلون ، الأمة العربية كلها وأسمح لنفسعدونا " ربنا كن لن عونا وهدي .. ربنا وبارك لنا في شعبنا وأمتنا ربنا انك وعدت ووعدك الحق " ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " ي أن أعبر عنها ، لن ننسي مواقف هذه الساعات أن الأمة العربية لم تنس اصدقاءها هذه الساعات الذين يقفون معها ولن ننسي أعداء هذه الساعات الذين يقفون مع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب
فى١٦أكتوبر ١٩٧٣
بسم الله
أيها الإخوة والأخوات
كان بودي ان أجيء إليكم قبل الآن ،ألتقي بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا لكن مشاغلي كانت كما تعلمون وكما تدرون وأثق أنكم تقدرون ومهما يكن فلقد أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معاً فيما أخذت علي مسئوليتي تعبيراً عن إرادة أمة وتعبيراً عن مصير شعب مناسباً ان أجيء اليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجري علي أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية وهي قضية الحرب والسلام ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية او اقليمية لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركته ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإنني أريد أن أدخل مباشرة فيها أريد أن اتحدث معكم وسوف أركز علي نقطتين : الحرب والسلام
أولاً : الحرب
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهي بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل واعظم وأمجد أيام تاريخنا وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهي ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل ، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة والآمها وحلاوة النصر وآماله ، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه ، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتي نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني علي أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا وإذا جاز لي أن أتوقف قليلاً وأنا أعلم أنني أتوق شوقاً إلي سماع الكثير فإنني أقول ما يلي
أولاً : فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبط من هذا اليوم ، عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هي التكليف الأول الذي حملته ولاء لشعبنا وللأمة ، عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لن أدخر جهداً ولن أتردد دون تضحية مهما كلفني في سبيل أن تصل الأمة إلي وضع تكون فيه قادرة علي دفع إرادتها إلي مستوي أمانيها ذلك أن إعتقادنا دائماً كان ولايزال أن التمني بلا ارادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن تقع في سرابه أو في ضبابه
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن نثبت للعالم أن نكسة ١٩٦٧ كانت إستثناء في تاريخنا وليست قاعدة
وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب (٧٠٠٠) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنا لايعلو عنها وللوصول اليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمي ٠٠ عاهدت الله وعاهدتكم علي أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلي جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء ولكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولا أتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ وكانت الحسابات مضنية والمسئولية فادحة لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مراراً وتكراراً إن ذلك قدري وإني حملته علي كتفي ، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصاً أن أفي بالوعد ملتمساً عون الله وطالباً ثقتكم وثقة الأمة وإني لأحمد الله
ثانياً : لقد كان كل شيء منوطاً بارادة هذه الأمة ، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة وما كنا نستطيع شيئاً وما كان أحد ليستطيع شيئاً لو لم يكن هذا الشعب ، ولو لم تكن هذه الأمة ، لقد كان الليل طويلاً وثقيلاً ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبداً بطلوع الفجر وإني لأقول بغير إدعاء أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة ان نكستها لم تكن سقوطاً وإنما كانت كبوة عارضة وان حركتها لم تكن فوراناً وانما كانت ارتفاعاً شاهقاً لقد أعطي شعبنا جهداً غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددة وأظهر شعبنا وعياً غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعي فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسئوليتي وقبلت راضياً بما شاء الله ان يضعه علي كاهلي كنت أعرف ان ايمان الشعب هو القاعدة وإذا كانت القاعدة ، سليمة فان كل ما ضاع يمكن تعويضه وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الإنطلاق إليه مرة اخري وبرغم ظواهر عديدة بعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري في كل يوم يمر هل القاعدة سليمة ؟
وكنت واثقاً انه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها ان تمس صلابة هذه القاعدة
ومادامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير وغير ذلك لن يكون إلا زوبعة في فنجان كما يقولون
لست أنكر إننا وُجهنا بمصاعب جمة ، مصاعب حقيقية مصاعب في الخدمات ، مصاعب في التموين مصاعب في الإنتاج ، مصاعب في العمل السياسي أيضاً . وكنت أعرف الحقيقة ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها كنت أعرف إننا نحاول نجعل الحياة مقبولة للناس وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر وكنت واثقاً إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي ، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون وأحمد الله
ثالثاً : لقد كانت هناك إشارة واضحة إلي وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها وكنت أري ذلك طبيعياً لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارة النكسة ، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه إمتحانها الرهيب وهي علي هذه الحالة من التمزق في ضميرها
كنت أقول أن هذا التمزق فضلاً عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضاً بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد انه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات علي إستعداد للدخول في مناقشات عقيمة ، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي ؟ وكان رأيي ان الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيراً بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة ، لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ ولكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبري فانها قادرة علي ان تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك ، كنت مؤمناً بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية وكنت مدركاً للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة
ولكنني كنت واثقاً أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها علي كل القوي وعلي كل الأطراف وعلي كل التيارات لأننا جميعاً سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بين الاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله
رابعاً : ولقد كنت أعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجماً بالغيب ولا تكهناً لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفت بالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها
إن سجل هذه القوات كان باهراً ولكن أعداءنا الإستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزاً مخيفاً لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفي سيفها ، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة ، كانت من ضحايا نكسة
سنة ١٩٦٧ ولم تكن أبداً من أسبابها
كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبد الناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قراراً بالإنسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر
إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧ ان هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعاً عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه ، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل
إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة علي أعلي مقياس عسكري ، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسئولية إستكمال البناء ومسئولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامت بمعجزة علي أعلي مقياس عسكري استوعبت العصر كله تدريباً وسلاحاً بل وعلماً واقتداراً حين أصدرت لها الأمر ان ترد علي استفزاز العدو وان تكبح جماح غروره فإنها أثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققت مفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة
إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم ٦
أكتوبر ١٩٧٣ ولست اتجاوز اذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم ٦ أكتوبر ٧٣ حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من إقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه
لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة ٦ أكتوبر خلال الساعات الست الأولي من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلي هذه اللحظة
وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً وبعض الاعتزاز إيمان فان الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وبإسم هذا الشعب وبإسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة ثقتنا في قياداتها التي خططت وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم ، ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها علي إستيعاب هذا السلاح
أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح درع وسيف
أريد من هنا أن أشد إنتباه حضراتكم معي إلي الجبهة الشمالية حيث يحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد
وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتم الأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين ،، انكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال
ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها ، لقد كنا من طلائع المعركة ، تحملنا ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا ، ولسوف نواصل القتال ، ولسوف نتحدي الخطر ، ولسوف نواصل مع إخوة لنا ، تنادوا الي الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرق والدم حتي نصل إلي هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة المستمرة
أيها الإخوة والأخوات
كل ذلك عن الحرب والآن ماذا عن السلام ؟
عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسي كما لابد لغيرنا ألا يتناسي حقيقية الأسباب التي من أجلها كانت حربنا وقد تأذنون لي أن أضع بعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم
أولاً : اننا حاربنا من أجل السلام ٠٠ حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام ، وهو السلام القائم علي العدل ، إن عدونا يتحدث احياناً عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل ، إن دافيد بن جوريون هو الذي صاغ لاسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يفرض والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب او شنها فعلاً
والخطأ الكبير الذي وقع في عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد أثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية
السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم ، السلام بالعدل وحده ، والسلام ليس بالارهاب مهما أمعن في الطغيان ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة
ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادي فيها عدونا ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين ، أي منذ قامت الدولة الصهيونية بإغتصاب فلسطين ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم : أين ذهبت نظرية الأمن الإسرائيلي التي حاولوا اقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة اخري ، طوال خمس وعشرين سنة ؟ لقد انكسرت وتحطمت ، قوتنا العسكرية تتحدي اليوم قوتهم العسكرية وها هم في حرب طويلة ممتدة وهم أمام إستنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعون وها هم عمقهم معرض إذا تصوروا أن في إستطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربي
وربما أضيف كي يسمعوا في إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون أن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن علي قواعدها ، مستعدة للإنطلاق بإشارة واحدة إلي الأعماق في اسرائيل ولقد كان في وسعنا منذ الدقيقة الأولي للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصاً وأن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون علي تحمل تبعاته لكننا ندرك مسئولية استعمال أنواع معينة من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها ، وإن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوما ومازلت أقوله العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق
ثانياً : اننا لم نحارب لكي نعتدي علي أرض غيرنا وإنما حاربنا ونحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين اثنين
الأول : استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة ١٩٦٧
الثاني : إيجاد السبل لإستعادة وإحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ، هذه هي أهدافنا من قبول مخاطر القتال ولقد قبلناها رداً علي استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئين إنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن حرياتنا وعن حقنا في الحرية والحياة
إن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن في حربنا خارجين علي القيم ولا القوانين التي إرتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها في ميثاق الامم المتحدة الذي كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها علي الفاشية والنازية بل لعلنا نقول ان حربنا هي إستمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية ، ذلك لأن الصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليس إلا تكراراً هزيلاً للفاشية والنازية يثير الإزدراء ولا يثير الخوف ويبعث علي الإحتقار أكثر مما يبعث علي الكراهية
إننا في حربنا كنا نتصرف وفق نص روح وميثاق الأمم المتحدة وليس مجافاة للروح ولا للنص وإلي جانب الميثاق نفسه فقد كنا نتصرف تقديراً واحتراماً لقرارات المنظمة الدولية سواء علي مستوي الجمعية العامة للأمم المتحدة أو علي مستوي مجلس الأمن
أيها الإخوة والأخوات لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشاد بشجاعتنا دفاعاً عن هذا الحق
أدرك العالم إننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجب الدفاع عن النفس ، لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمع الدول لسنا مغامري حرب وانما نحن طلاب سلام
أدرك العالم ذلك كله وكان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا واليوم زاد علي تعاطفه معنا إحترامه لتصميمنا علي الدفاع عن هذه القضية ولقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز بإحترامه وأقول لكم بصدق وأمانة إنني افضل إحترام العالم ولو بغير عطف علي عطف العالم اذا كان بغير إحترام وأحمد الله
أيها الإخوة والأخوات
إن دولة واحدة اختلفت مع العالم كله ولم تختلف معنا فقط انما مع العالم كله كما قلت ، وهذه الدولة هي الولايات المتحدة لقد فوجئت كما تدعي بأننا حاولنا رد العدوان ولسنا نفهم كيف ولماذا فوجئت هذه الدولة ، لم تكتف كما تقول بأنها فوجئت وإنما أفاقت من المفاجأة دون أن تعود إلي الصواب ، ومن المؤسف والمحزن أن يكون هذا موقف واحدة من القوي الأعظم في هذا العصر لقد كنا نتوقع أو ربما نتمني ضد الشواهد والتجارب كلها أن تفيق الولايات المتحدة الامريكية من المفاجأة إلي الصواب لكن ذلك لم يحدث ورأينا الولايات المتحدة تخرج من المفاجأة إلي المناورة والعودة إلي خطوط ما قبل ٦ أكتوبر وكان يمكن أن نغضب من هذا المنطق المعكوس ولكننا لم نغضب لأننا نثق في أنفسنا من ناحية ومن ناحية أخري لأننا بالفعل نريد أن نساهم في سلام العالم
إن العالم يدخل في عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارض سياسة الوفاق ، كان لنا تحفظ واحد عليها ومازال تحفظناً قائماً ، إذا كنا نريد أن يدخل العالم بعد إستحالة الحرب العالمية إلي عصر من السلام فإن السلام ليس معني مجرداً او مطلقاً السلام له معني واحد هو أن تشعر كل شعوب الأرض إنه سلام لها وليس سلاماً مفروضاً عليها
واني لأقول امام حضراتكم وعلي مسمع من العالم : نحن نريد ان تنجح وان تتدعم سياسة الوفاق ونحن علي إستعداد للمساهمة في إنجاحها وتدعيمها
إن أي نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلاً فحسب وإنما هو إهانة لا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذي يعرف أهمية وقيمة المنطقة التي نعيش فيها وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة علي أن تمنح وأن تمنع
أيها الإخوة والأخوات
إن الولايات المتحدة بعد المناورة التي رفضنا مجرد مناقشتها خصوصاً بعد ان فتحنا طريق الحق بقوة السلاح إندفعت إلي سياسة لا نسطيع أن نسكت عليها ٠٠ لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها أمتنا العربية ٠٠ ذلك إنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل
لم يكف الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذي مكن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الاوسط فاذا هي الآن تتورط فيما هو افدح ، فيما هو اخطر في عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة إذ هي تسارع إلي العدوان تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه
إن الولايات المتحدة تقيم جسراً بحرياً وجوياً تتدفق منه علي إسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة واليكترونيات جديدة ونحن نقول لهم إن هذا لن يخيفنا ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلي نقطة اللاعودة أن نفهم إلي أين وإلي متي وأين ونحن خريطة الشرق الاوسط وليست إسرائيل ، إلي أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل ؟ الي اين والي متي ؟
أيها الإخوة والأخوات
لقد فكرت في أن أبعث إلي الرئيس ريتشارد نيكسون بخطاب أحدد فيه موقفنا بوضوح ولكنني ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك قررت ان استعيض عن ذلك بتوحيد رسالة مفتوحة إليه من هنا ، رسالة لا يمليها القول ولكن تمليها الثقة ، رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية في صون السلام ودعم الوفاق ، أريد أن اقول إنه بوضوح إن مطلبنا في الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه ، وإذا كنتم تريدون معارضة مطلبنا في السلام فإليكم مشروعنا للسلام
اولاً : إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أرضنا التي أمسك بها الإحتلال الإسرائيلي سنة ٦٧ ولإيجاد السبيل لإستعادة وإحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ، ونحن في هذا نقبل إلتزامنا بقرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلس الأمن
ثانياً : إننا علي استعداد لقبول وقف إطلاق النار علي أساس إنسحاب القوات الاسرائيلية عن كل الأراضي المحتلة فوراً وتحت اشراف دولي إلي خطوط ما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧
ثالثاً : إننا علي إستعداد فور إتمام الإنسحاب من كل هذه الأراضي أن نحضر مؤتمر سلام دولي في الأمم المتحدة سوف أحاول جهدي أن اقنع به رفاقي من القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو كما إنني سوف أحاول جهدي أن أقنع به ممثلي الشعب الفلسطيني وذلك لكي يشارك معنا ومع مجتمع الدول في وضع قواعد وضوابط السلام في المنطقة يقوم علي إحترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة . رابعاً : إننا علي إستعداد في هذه الساعة من هذه الدقيقة أن نبدأ في تطهير قناة السويس وفتحها أمام الملاحة الدولية لكي تعود أداء دورها في رخاء العالم وازدهاره ولقد أصدرت الأمر بالفعل إلي رئيس هيئة قناة السويس بالبدء في هذه العملية غداة إتمام تحرير الضفة الشرقية للقناة وقد بدأت بالفعل مقدمات للإستعداد لهذه المهمة
خامساً : إننا لسنا علي إستعداد في هذا كله لقبول وعود بمهمة أو بمبادرات مضللة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت مما لا جدوي منه وتعيد قضيتنا إلي جمودها لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدي الغير أو تضحيات بالنسبة لنا ، ما نريده الآن هو الوضوح ، الوضوح في الغايات والوضح في الوسائل
أيها الإخوة والأخوات
لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصاً أن يفهمها الجميع في إطارها الصحيح وأن يضعوها علي الخط المستقيم وأن يحسنوا تقدير الأمور إن هذه المسألة تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال ومن جانبنا فإننا نواجه هذه الساعات بخضوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم هذه ساعات تدور فيها معارك أكبر مما دار من أسلحة تقليدية حتي في حروب العمالقة، هذه ساحات تتقرر فيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها علي المستقبل وهي تؤكد نفسها في الحاضر هذه ساعات يتقدم فيها أبطال ، وهذه ساعات يسقط بل يرتفع فيها شهداء هذه ساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخري ذلك إننا كنا ولازلنا نريد الحق ولا نريد الحرب لكننا كنا ولانزال نريد الحق حتي إذا فرضت علينا الحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملأ كل القلوب فانني كنت فيما بيني وبين ربي أعرف مدي العناء الإنساني الذي ندفعه في سبيل النصر
ولقد كنت أتتبع أنباء إنتصارنا في خشوع لإنني أعرف الحرب ولقد كان أعز القائلين هو الذي علمنا >كتب عليكم القتال وهو كره لكم
أيها الإخوة والأخوات
هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيها الأصدقاء ونعرف فيها الأعداء ، ولقد عرفنا انفسنا ولقد عرفنا اصدقائنا وكانوا بأصدق وأخلص ما نطلب من الأصدقاء ولقد كنا نعرف عدونا دائماً ولسنا نريد أن نزيد من أعداءنا بل اننا لنوجه الكلمة بعد الكلم والتنبيه بعد التنبيه ، والتحذير بعد التحذير لكي نعطي للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون لكننا بعون الله قادرون بعد الكلمة وبعد التنبيه وبعد التحذير أن نوجه الضربة بعد الضربة ولسوف نعرف متي وأين وكيف إذا أرادوا التصاعد فيما يفعلون ، الأمة العربية كلها وأسمح لنفسعدونا " ربنا كن لن عونا وهدي .. ربنا وبارك لنا في شعبنا وأمتنا ربنا انك وعدت ووعدك الحق " ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " ي أن أعبر عنها ، لن ننسي مواقف هذه الساعات أن الأمة العربية لم تنس اصدقاءها هذه الساعات الذين يقفون معها ولن ننسي أعداء هذه الساعات الذين يقفون مع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نوره- عضو ذهبي
- عدد المساهمات : 660
تاريخ التسجيل : 13/01/2009
دعـــــــــــــــــاء :
مواضيع مماثلة
» خطاب الرئيس أوباما في سطور
» ذكرى ..
» فيلم نااااادر لاغتيال السادات ...
» فى ذكرى مولدها.....بقلم gladaitor
» إصابة طلعت السادات بأزمة قلبية مفاجئة بعد رفع الحصانة عنه
» ذكرى ..
» فيلم نااااادر لاغتيال السادات ...
» فى ذكرى مولدها.....بقلم gladaitor
» إصابة طلعت السادات بأزمة قلبية مفاجئة بعد رفع الحصانة عنه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى