عفوا أيها السرطان..فرحمة الله أوسع (تجربه شخصيه)

يوم الأربعاء موعد إجراء الجراحة
لم أكن متوترة أو حزينة
كل ما كان يضايقني هو أنني لا أعلم حقا ما خطب ركبتي
مم أعاني ؟؟ أحتاج فقط لأن أعلم ليس إلا
كذلك فاتني هذا الأسبوع العديد من المراجعات المهمة
و الأسبوع المقبل بداية الامتحانات العملية

ذهبت إلى المستشفى مع والداي و أعمامي
سيجري لي الجراحة الدكتور ( ح )
و معه طبيب التخدير المشهور و هو ابن خال آخر لوالدي أيضا
أفقت من البنج على آلام لا تحتمل

جعلت أبكي و أصرخ من الألم
و أصيح يااااا رب
يااااااا رب
أخرجوني من غرفة العمليات ثم أعادوني مرة أخرى
أعطوني الكثير من المسكنات التي لم تجدي نفعا

اخيرا تبينت لهم حقيقة نادرة
فجهازي العصبي له طبيعة نادرة
فأنا أحس بالآلام أكثر من الأشخاص الطبيعيين
تأثير المسكنات و البنج على جهازي العصبي أقل من الآخرين

كانت الغالية الحبيبة أمي جالسة إلى جواري تبكي
و والداي و أعمامي يدخلون و يخرجون
يتحدثون إلى الأطباء و الممرضات و كل من قابلهم
المفروض أن تكون نائمة
لم كل هذا الألم

حضرت صديقتي الحبيبة و ظلت تحاول أن تحدثني لأنسى الألم
و أنا لا اكف عن البكاء و قول يا رب
كنت أشعر و أسمع و أعي كل شيء
لكني لا أستطيع التعبير جيدا من تأثير البنج و كذلك الألم الذي يكاد يفقدني عقلي

بعد فترة طويلة في المساء بدأت الآلام تخف قليلا
بلغ الارهاق و التعب مني مبلغه
تأثير البنج و الجراحة و عدم الأكل و البكاء و الآلام
أريد أن أعود إلى المنزل
هناك فقط سأرتاح في بيتنا .. في غرفتي
بعد مضي الكثير من الوقت و لم أعي كم من الوقت عدنا أخيرا إلى بيتنا
في المستشفى أعطوني أوراق أقدمها للكلية لتثبت حالتي

بدأت أشعر بإعياء شديد
ليست الآلام موضع الجراحة فقط
بل سائر جسدي
لا أستطيع الحراك و القيام بأي حركة لابد لي من مساعدة من أحد
اتصلنا بالطبيب و حضر للمنزل
وصف لي مضادات حيوية قوية
و مسكنات قوية

بعد عدة أيام
منزلنا يضج بالزائرين ككل يوم
غرفتي ملأى بأقاربنا و أصدقائنا و أحبائنا الذين حضروا للإطمئنان علي
لكن اليوم أمي الحبيبة تتصرف بغرابة شديدة
وجهها أحمر بشدة واجمة صامتة لا تتحدث إلى أحد
تخرج و تدخل و تخرج و تدخل
كالتائهة المهمومة

أخبرني والدي مساءاً بأننا سنسافر إلى العاصمة لنقابل الطبيب المختص ( و )
تعجبت و لم أفهم الأمر
أنا بالفعل لدي طبيب ما الداعي لطبيب آخر
أقنعني والدي بأنه تخصص ركبة فقط و قد أوصى به الطبيب ( ح)

سافرت و والداي و اثنين من أعمامي
على الكرسي المتحرك دخلنا العيادة
فأنا ممنوعة من السير
كما أن ركبتي لازالت تؤلمني و آثار الجراحة تؤلمني جدا

عند الطبيب جلست في غرفة الكشف و أهلي في الغرفة المجاورة
يفصلهما باب واحد
أستطيع سماع كل ما يدور من حديث بكل وضوح

الطبيب (و) رجل وقور ذا خلق و دين
حتى هذه اللحظة و انا لازلت أدعو له و أدعو أن يكثر الله من أمثاله
و لا أزكي على الله أحداً
تفحص الطبيب الأشعات و الأوراق التقارير

بدأ بالحديث بهدوء و سكينة
تنقسم الأورام السرطانية إلى قسمين و ذكرهما و شرح كل نوع منهما
ابنتكم لديها النوع (....) من سرطان العظام Osteosarcoma
و هو نوع ليس بحميد
انفجر والداي و أعمامي بالبكاء

ذهل الطبيب فقد كان يحسبهم يعلمون مسبقاً من صديقه الدكتور ( ح)
لكن الدكتور (ح) لم يستطع أن ينقل الخبر بنفسه
كان أهلي قد علموا بعد المسح الذري أن نتيجة الأشعات أوضحت وجود شيء ما
لكنه ربما ورم حميد أو حتى كيس دهني أو تجمع دموي
و كانت الجراحة التي اخبروني انها لإزالة الغضروف المزعوم
كانت لأخذ عينة من الورم لتحليله و اكتشاف نوعه
و قد كانوا أرسلوا العينة المأخوذة إلى عدة معامل
و كانت النتيجة ورم سرطاني غير حميد من الدرجة الثالثة
فوق مفصل الركبة اليمني


أنا ؟؟؟ سرطان ؟؟؟ أنا ؟؟؟
إنا لله و إنا إليه راجعون
اللهم أجرني في مصيبتي و أخلف لي خيراً منها
اللهم أجرني في مصيبتي و أخلف لي خيراً منها
قدر الله و ما شاء فعل
الحمدلله على كل حال
إنا لله و إنا إليه راجعون

وحدي في الغرفة كنت أردد هذه الكلمات
و أحاول استيعاب ما يحدث و ما أسمع
شعرت بأن الظلام ساد الغرفة
و فجأة انفجرت في الضحك
ثم عدت إلى صوابي
كل هذا و لساني لم يتوقف عن الحمد و الاسترجاع بفضل الله تعالى و تثبيته

أكمل الطبيب بعد أن تماسك أهلي قليلا :
الورم حجمه صغير لكن لابد من تغيير المفصل
و استبداله بمفصل صناعي
و إزالة جزء من عظمة الساق و استبدالها بجزء صناعي
و كذلك سيتم إزالة جزء من الجلد و العضلات
يعني الورم بكل ما حوله لضمان عدم وجود أي خلية سرطانية في أي مكان
لا بد أيضا من العلاج الكيماوي و ربما إشعاعي أيضا
و سيحدد ذلك أطباء الأورام

كان تخصص الطبيب جراحة أورام العظام و المفاصل
أكمل :
لابد لابنتكم من أن تعلم ما ستمر به
إذا أحببتم سأخبرها أنا
أطلّ عمي برأسه ينظر إليّ
هززت رأسي بأني سمعت كل ما قيل فأخبرهم بأني أصبحت أعرف كل شيء
دخل ولداي و أعمامي فاستقبلتهم بابتسامة و طمانتهم بأنني بخير
بسيطة إن شاء الله

حضر الطبيب و تعجب من هدوئي و ردة فعلي
سالني عن عمري و السنة الدراسية
كان كل ما يشغلني الآن هو دراستي و الامتحانات
لا أريد أن تفوتني امتحانات نهاية العام
طمأنني الطبيب بأنني لن أفوت أيا منها و سأظل مع صديقاتي
و قال :
لابد من التوجه إلى مركز الأورام و مقابلة الطبيب ( ع)
سيحدد الطبيب (ع) عدد جرعات الكيماوي و كل مايتعلق بالعلاج الكيميائي
و سأكون دائما على اتصال به لتحديد موعد الجراحة
و حتى ذلك الموعد لا تلمس القدم المصابة الأرض و لا تتعرض لأي ضغط
فالعظم قد تآكل بفعل الورم و صار هشاً قابلا للكسر

خرج والدي و أعمامي من غرفة الكشف مع الطبيب لإنهاء الأوراق اللازمة
بقيت الحبيبة معي و قد احمرت عيناها و وجهها من البكاء
سألتها :
ماما هل الكيماوي الذي يتحدث عنه الطبيب هو الذي سمعنا عنه في التلفاز
ذلك الذي يؤدي إلى سقوط الشعر ؟؟
أجابتني الحبيبة بابتسامة حزينة و دموع تطمأنني :
لا يا ماما العلاج تطور و كل يوم فيه جديد

في طريق العودة
كنت أمزح و اضحك و امازح والدي و أعمامي
شعروا بالراحة لردة فعلي و تقبلي للأمر
أما والدتي الحبيبة فلم تكف عن البكاء طوااااااال الطريق
و كان بكاؤها صامتا لا يسمع
كنت انا فقط من يشعر بنحيبها و اهتزازها من البكاء
فقد كنت نائمة على رجليها
حاولت التخفيف عنها و كنت أتألم بشدة لألمها الشديد و حزنها